منذ مدة ونحن نسمع عن الأضطرابات التي عمت أوكرانيا – وهي شبيه بالربيع العربي الذي أجتاح عدد كبير من البلدان العربية – وكانت النتيجة سقوط الحكومة الموالية لموسكو وهروب رئيسها الى روسيا , و تشكيل حكومة مناهضة لموسكو و مقرب من أوربا ودول أخرى . فما كان من روسيا الا تحريك عدد من قطعاتها العسكرية الى شبة جزيرة القرم وأعلان إستقلالها عن أوكرانيا . وتصاعدت الأحداث و ردود الأفعال لما قامت به موسكو , حيث قرر الأتحاد الاوربية وأمريكا و بريطانيا فرض عقوبات أقتصادية وسياسية على موسكو.
فما الذي يجري في هذة البقعة من العالم ؟ و هل لها تأثير على ما يجري في منطقة الشرق الأوسط ؟
شبه جزيرة القرم شهدت العديد من الحروب الدموية المدمرة اشهرها الحرب الروسية العثمانية اوما يعرف في كتب التاريخ بحرب القرم التي اندلعت عام 1853 بين الإمبراطورية الروسية والعثمانية واستمرت حتى عام 1856 وانضمت إليها لاحقا بريطانيا ومصر وفرنسا وسردينيا ( ايطاليا حاليا ) , تلك الدول التي دخلت الحرب الى جانب الدولة العثمانية التي كانت تعاني حالة ضعف كبيرة والتي انتهت بتوقيع اتفاقية باريس وهزيمة الروس. وآبان الحرب العالمية الثانية قاتل الروس قتالآ عنيفآ مع المانيا النازية لفرض نفوذها على أراضي القرم , وبعد معارك طاحنة خسر فيها الجيش الأحمر مئات ألاف من الجنود القتلى وأضعافهم من الجرحى والأسرى إضافة إلى مقتل الاف المدنيين وتدمير عاصمة القرم ” ” كيرتش”, استطاعت روسيا البلشفية من فرض سيطرتها على القرم و أصبحت جزاء من الأراضي الروسية . وبقت تحت نفوذ روسيا الشيوعية حتى قرر خروتشوف عام 1954 سلخها عن روسيا و ألحاقها بـ أوكرانيا و منحها الحكم الذاتي .
في شبة جزيرة القرم هناك أهم قاعدة بحرية روسية في البحر الأسود , وتركيا العضو المهم في حلف الناتو في هذة المنطقة لا تبعد كثيرآ عن مرمى صواريخها , وهي بوابة روسيا الى مضيق الدردنيل والبوسفور حيث مياه البحر الابيض المتوسط .أن هذا التصعيد يتزامن مع قرب أنتهاء عقد إيجارهذة القاعدة المبرم بين روسيا وأوكرانيا في عام 2017, و ترفض الأخيرة تمديد العقد الى 2042 . حيث تسعى أوكرانيا الإنظمام الى الاتحاد الاوربي لكي تنفتح الى الفضاء الأوربي و تبعد نفسها عن شبح ونفوذ روسيا و ياتي هذا الأنفتاح بتأيد دول عديدة في الأتحاد الاوربي وحلف الناتو . وتحتل أوكرانيا أهمية قصوى لعدد كبيرمن دول الأتحاد, وهذة الاهمية نابعة من كونها الممر الرئيسي للغاز الروسي الذي يغذي أحتياجات دول كبرى في أوربا من الطاقة وكونها دولة محاذية الى روسيا الإتحادية . ولكن ما علاقة سوريا بالاحداث الجارية في أوكرانيا ؟
كلنا سمعنا بخارطة الشرق الأوسط الجديد والذي يجهل الكثير منا عن أسبابه و طبيعته …. من أهم أسبابه هو جمع النفط و الغاز من كل الدول الخليجية عبر شبكة أنابيب تمر بالاراضي العراقية ومنها الى الأردن , سوريا , لبنان فالبحر الابيض المتوسط أوعبر تركيا الى أوربا لتستغني أوربا عن الغاز الروسي , مما سوف يؤدي الى إضعاف الاقتصاد الروسي . يضاف اليها أن بعض دول شرق اسيا تُصنع أكثر من 60% من أحتياجات أوربا , لذا ومن أجل نقل هذة البضائع وبشكل أسرع الى أوربا جاء ميناء مبارك الكبير ليعوض عن قناة السويس . حيث يتم تفريغ البضائع في هذا الميناء , ومن ثم نقلها برآ او عن طريق السكك الحديد عبر العراق الى سوريا و الاردن و لبنان , او مباشرة الى أوربا عبر تركيا . حيث وعبرهذة الخارطة سوف يصبح العراق حلقة الوصل بين الشرق والغرب وسوف يجني الكثير من الأيرادات وأنشاء الكثير من المدن الجديدة . (هذة هي أهم ملامح الشرق الأوسط الجديد , يضاف اليها عوامل أخرى لاعلاقة لها بموضوعنا الحالي )
لذا نجد أن أمريكا وبريطانيا و حليفهما – الأتحاد الاوربي – أدخلت أوكرانيا في دائرة الصراع الدائر في الشرق الأوسط لتكون الثمن مقابل سوريا من أجل تصعيد الضغط على روسيا , فأما يصبح الناتو على حدود روسيا أو التنازل عن سوريا وقاعدة طرطوس . وهكذا أصبحت أوكرانيا مقابل سوريا وخاصة بعد أن أعلنت روسيا هذا اليوم وعلى لسان بوتين عودة اراضي القرم الى روسيا الأتحادية وأنها جزء من الاراضي الروسية .