17 نوفمبر، 2024 12:32 م
Search
Close this search box.

أوقفوا القرارات الطبقة الحاكمة المستعجلة

أوقفوا القرارات الطبقة الحاكمة المستعجلة

عندما يسعى الإنسان لإيجاد الحلول المناسبة لحل الكثير من المشاكل الإدارية في الأسرة والمجتمع، فهو بحاجة ماسة لصناعة القرار الصائب الحكيم المتناسب مع المرحلة التي يُواكبها ويتعايش معها؛ فصناعة القرار الناجح وتطبيقه في الحياة ليس بالعملية السهلة التي يقوم بها الإنسان متى ما شاء، وإنما هي عملية تحتاج الكثير من الحيطة والحذر والاستشارة والحكمة والتجربة من قبل المسؤولين والمربين أنفسهم؛ وذلك من خلال البحث الدؤوب عن الحلول المناسبة، وانتقائها من بين الحلول المطروحة على طاولة البحث، والاستشارة؛ مما يتطلب ذلك التأكيد على حسن اختيار البدائل المناسبة للجميع، وعدم التسرع في إبداء الرأي الفردي، لكي لا تكون صناعة القرار وبالا على الإنسان وأسرته ومجتمعه.

وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان”. وورد عن خليفة المسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: “أعقَلُ النّاسِ أنظَرُهُم في العَواقِبِ”.

وهناك فارق بين صناعة القرار واتخاذه في الحياة؛ فصناعة القرار لابد أن تكُون عملية ممنهجة من قبل الإنسان؛ فمن الطبيعي أن يمر الإنسان المسؤول بمراحل حتى يستطيع صناعة قراراته الحكيمة والمدروسة، وذلك من خلال وضع المشكلة قيد الدراسة والاستشارة، والبحث والتحري عن الحلول المناسبة لحل المشكلة، فالإنسان حتمًا لا يستطيع صعود السلم كله بخطوة واحدة، بل يحتاج إلى التدرُّج حتى يصل إلى القمة، كذلك هي صناعة القرار، لابد للإنسان أنْ يسعى مُجتهدا لصناعة قراراته اليومية صناعةً سليمةً وصالحةً، لا تشُوبها المشاعر المنحازة للذات، بل تكون مبنيةً على الأسس العلمية والمنطقية في سبيل المصلحة العامة.

وفي حال قام الإنسان بذلك، فعند ذلك تأتي عملية اتخاذ القرار المدروس، وإصداره، وتعميمه للناس؛ فالمسؤول الناجح هو من تراه دائما في حالة الاستعداد الدائم لإصدار القرارات الذكية والمدروسة والواضحة، التي تأتي في الوقت المناسب للجميع، مُتحليا بقدر الإمكان بالصبر والتروِّي والحكمة تجنبا للوقوع في فخ القرارات السريعة غير المدروسة، حتى لا يُواجه النقدَ اللاذع، ولا يتسبب بالضرر للجميع، بل تكون قراراته المتخذة مؤثرة وإيجابية على الآخرين، دافعة لهم لبذل المزيد من العمل الجاد في مصلحة المجتمع؛ فصاحب القرار المسؤول هو من يستطيع اتخاذ القرار المناسب بالشكل اللائق والسليم، مع مراعاة كل ما له علاقة بنجاح المجتمع واستقراره وهدوئه.

قد تتنوَّع القرارات في حياة الإنسان، بين: “قرارات فردية”؛ وهي التي تخص الإنسان وذاته، كاختيار الطالب الجامعي للتخصص الأنسب له في الجامعة، فهو في كل الأحوال أمر منوط بالإنسان نفسه لا غير. و”قرارات جماعية”؛ وهي التي يكون القرار فيها موجها لمجموعة بسيطة، كقرار رب الأسرة لأسرته أو قرار المسؤول لمن هم تحت إدارته.

وأحيانا يكون القرار موجَّها للأمة بأسرها، كقرار رئيس الدولة للمواطنين، فلا بُد أن تكون هذه القرارات كلها صائبة وفي محل الرضا والثناء، ولكن عندما تكون القرارات غير صائبة وليست في زمانها ومكانها، ومبنية على الاستبداد بالرأي، فهي حتما ستكون محلًّا للتذمر والقيل والقال، وكثرة اللغط والأقاويل على ألسنة الناس.

وورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: “مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، ومَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهم فِي عُقُولِهم”.

هناك قرارات خلفَّت الكثير من الإشكاليات، وأثقلتْ عاتقَ المجتمع وأفراده، كما هي حال بعض القرارات التي تقرر في المساء، ويُفرض تطبيقها في الصباح، دون مراعاة لأحوال مصالح البلد التي تفتقت عبقرية الطبقة الحاكمة السياسية – عن حل جاهز وسريع للازمة المالية في العراق ، والتي كشفت عنها تقارير الحكومة في وثيقة سرّبتها وكالات الأنباء العراقية صادرة من وزارة الكهرباء وموّجهة إلى مكتب رئيس الوزراء تحمل الرقم 2550 في 20 / 01 / 2021 .. الوثيقة المسرّبة تشير إلى أنّ شركة كار الكردية حسب كتابها المرّقم 70 في 16 / 1 / 2021 إلى وزارة الكهرباء , قد حصلت على موافقة رئيس الوزراء بتمليك محطتي الرميلة وشط البصرة / الدورة البسيطة إلى شركة كار بعد تقييم قيمتها السعرية بوضعها الحالي من قبل شركات عالمية رصينة مقابل قيام الشركة ببناء محطة توليد بقيمة تلك المحطات في أي موقع تختاره الوزارة .. وبدورها تطلب وزارة الكهرباء من مكتب رئيس الوزراء تزويدها بالآلية للتعامل مع العرض ليتسنى لها إجراء اللازم هذا الحل هو بيع الاملاك العامة ، لتغطية هذه الخسائر .

بالمنطق الاقتصادي السليم يمكن البحث عن حلول مماثلة لازمة مالية مستفحلة ، فالاراضي مثلا هي ثروة مجمدة ويمكن استثمارها وجني الفوائد منها ، بدلا من بقائها كما هي ، اي دون جدوى، اقتصادية ، أما المرافق العامة فينبغي البحث في جدوى بقائها بيد الدولة او خصخصتها ، ، ولكن المشكلة في العراق ليست في الحسابات او في الجدوى الاقتصادية او في منافع الاستثمار ، وانما هي مشكلة نظام ، تديره طبقة مختلطة من رجال السياسة والمال ، وتذهب بالدولة باتجاه تعميق الازمة بدلا من حلها . وليس أدل على هذا سوى انتفاق السياسي على حل ، يعرف الجميع انه موقت ، يعالج نتائج الازمة وليس اسبابها.
ومن المسلم به ان حصول الدولة اي مبالغ من بيع املاك الدولة ، مهما كبر حجمها ، من دون ​اصلاح​ المالية العامة ، وسد مزاريب الهدر والسرقة و​الفساد​ ، لا يحل المشكلة المالية. اذ يمكن ملء خزان مثقوب .

المرافق العامة لا يمكن بيعها لسببين ، فهي اما مفلسة وخاسرة ، ولن يشتريها أحد بوضعها الراهن ، والمطلوب انعاشها ، واما هي مؤسسات رابحة ، ينبغي العمل لتطويرها .

إنَّ اتخاذَ القرار يجب أن لا يكون عشوائيًّا بلا مبالاة ولا اهتمام ولا مراعاة ، بل يجب أن يكون قائما على التفكير العميق وعدم الاستعجال في صدوره؛ لذا على المسؤولين أن يرحموا من في الأرض ليرحمهم من في السماء.

أحدث المقالات