23 ديسمبر، 2024 5:18 ص

أوضاع لاتفسر إلا بالنهاية

أوضاع لاتفسر إلا بالنهاية

کما هو واضح و معلوم، فإن نظام الجمهورية الاسلامية في إيران إعتمد على رکنين أساسيين من أجل إنجاح مشروعه الفکري ـ السياسي، وهما ممارسة القمع و الاستبداد و مصادرة الحريات ضد الشعب الايراني جانب، و تصدير التطرف الديني الى بلدان المنطقة و العالم من جانب آخر، ومن الحق و الانصاف أن نعترف بأن العبأ و الثقل الاکبر قد وقع و يقع على عاتق الشعب الايراني، لأنه کان و لايزال يدفع فواتير کافة السياسات التي تمارسها الجمهورية الاسلامية الايرانية و على مختلف الاصعدة.
من ينظر لإيران اليوم و بعد 38 عاما من الحکم الديني فيها، يجد نفسه أمام أمور و قضايا متباينة، خصوصا مايتعلق بالاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للشعب الايراني و اللذين قد وصلا الى أدنى المستويات و لم يعد بإمکان النظام الاسلامي الحاکم أن يخفي او يقوم بترقيع المظاهر السلبية المختلفة التي بدأت تطفو على السطح و صار بإمکان أي زائر عادي لإيران أن يشعر بذلك و يراه بالعين المجردة.
نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي کان يعد و يمني الشعب الايراني بأوضاع أقتصادية و معيشية أفضل بکثير من تلك التي کان يحظى بها في العهد الملکي، صار الشعب الايراني اليوم يتندر بتلك الوعود و يترحم على أوضاعه في العهد السابق و يحن إليها، وليس ذلك بغريب و عجيب على هذا الشعب الذي بات يعيش أکثر من 70% منه تحت خط الفقر بل و الانکى من ذلك أن هناك 12 مليون جائع في إيران من الذين لايجدون کفافهم اليومي، وصار الفقر ظاهرة ملموسة تفرض نفسها کأمرا واقعا على المشهد اليومي للحياة في معظم أرجاء إيران، فقد صار أکثر من 15 ألفا مواطنا إيرنيا يقضون ليلهم في الکارتونات في طهران لوحدها، وفي الوقت الذي يهيمن فيه إنکماش إقتصادي غير عادي جميع الاسواق الايرانية، فإنه قد بلغ عدد العاطلين عن العمل 10 ملايين فرد على أقل تقدير وهذا يعني أن من بين کل خمسة مواطنين، نجد أثنين منهما عاطلين عن العمل.
الفوارق الطبقية تزداد بصورة استثنائية عاما بعد عام، خصوصا بعد أن بدأت التنمية الاقتصاد الوطني تسجل أرقاما سلبية کل سنة وان العملة الرسمية فقدت قيمتها بما يعادل 70% خلال الاعوام الثلاثة المنصرمة وان نسبة التضخم قد بلغت 25%، وهذه الارقام لأي خبير إقتصادي تعتبر مروعة، لکن الجانب الآخر من الصورة، او بالاحرى الاوضاع الاجتماعية في إيران، فإن الاوضاع الاقتصادية الوخيمة هذه قد أثرت عليها بصورة کبيرة جدا الى الحد الذي لم يعد بوسع السلطات الايرانية أن تلتزم الصمت او تتجاهل تلك الآثار.
التمزق الاسري و إرتفاع نسبة الطلاق بوتائر غير مسبوقة و تزايد نسبة أطفال الشوارع و تزايد نسبة الشابات العانسات و الشباب العزب و تراجع معدلات الزواج طبقا لذلك، يقابله أيضا إرتفاعا غير عادي في معدلات الجريمة و المظاهر السلبية الاخرى، وطبقا للإحصائيات الحکومية في إيران، فإن عدد مدمني المخدرات في إيران يصل الى أکثر من مليوني شخص، غير ان إحصائيات مراکز الابحاث و الدراسات المحايدة تشير الى وجود أرقام أکبر من ذلك الرقم بکثير بحيث وصل الامر بالنظام الى القيام بتوزيع المواد المخدرة بنفسه على الشعب بحسب ماأعلن عضو في البرلمان الايراني قبل أيام، وهذا مايعني بالضرورة أن الرقم الحقيقي مرعب جدا بحيث أوصل النظام الى مهمة تولي توزيع المواد المخدرة على المدمنين.
کل هذه الامور تأتي متزامنة مع تزايد و توسع التدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة و إرتفاع وتائرها الى الحد الذي صارت قوات الحرس الثوري الايرانية تشارك علنا في الحروب و المواجهات الدائرة في بلدان المنطقة وصار مشهد مقتل او أسر أعداد من تلك القوات و قادتها مشهدا شبه مألوفا مع ملاحظة ان الکراهية لهذه القوات و للدور الايراني برمته يتصاعد يوما بعد يوم في الشارعين العربي و الاسلامي ، کما انها تأتي أيضا بعد إبرام الاتفاق النووي الذي صار واضحا من إنه لم يجري بالسياق الذي کان المجتمع الدولي يطمح به و يتمناه و الذي لم يغير من أوضاع الشعب الايراني کما مناه النظام لأعوام عديدة بل وحتى إن أوضاع الشعب قد صارت اسوء بعد الاتفاق، وان الذي يجري حاليا في إيران بالنسبة لنظام الجمهورية الاسلامية يشبه تماما الاعوام الاخيرة من الحکم النازي في المانيا حيث إزدادت دمويته و قسوته الى أبعد حد، لکنه وتزامنا مع ذلك کان يهوي بخطى سريعة نحو الهاوية السحيقة.