في كثير من أمثلتنا الشعبية دروس وعبر وعظات، لمن أراد التعلم والاعتبار والاتعاظ، والأمثلة -عادة- تضرب ولاتقاس، إلا أنها أحيانا تضرب وتقاس (وجه وگفه). نأخذ منها مثلا لطالما رددناه في صغرنا ولم نكن ندرك مغزاه، أما اليوم فقد اتضح معناه ومغزاه لنا جليا، بعد أن أضحينا نحن أنفسنا مثلا يضرب به ويقاس، ذاك المثل هو؛ (الحايط لو مال يوگع على أهله).
ماقصدت بالـ (حايط) فهو العراق بلدنا الذي عاش فيه آباؤنا ماضيا.. ونعيشه نحن حاضرا.. وسيعيش فيه أولادنا مستقبلا. وهذا الحائط هو سندنا وسترنا وستارنا، ولاأظن أحدا منا يستطيع القفز عليه او فوقه، إلا من سولت له نفسه بالتخلي عن قيم كثيرة، اولها الشرف وليس آخرها الغيرة. او ممن قال عنهم شاعر:
نحن انتمينا الى تاريخنا بدم
وآخرون على تاريخهم بصقوا
ومن سوء حظ العراقيين الشرفاء ان ترتفع نسبة الأخيرين في البيت المذكور، لاسيما وهم يرون الحائط بدأ يميل -كثيرا وليس قليلا-.
قبل يومين كان لاجتماع مجلس الأمن الدولي حضور وسط الرأي العام العالمي، إذ أبدى كثير من الدول تعاطفهم مع الـ (حائط) وتألموا على الميلان الذي أصابه، والذي قد يتداعى أكثر فأكثر ويفضي بالنتيجة الى سقوطه -لاسمح الله- وحينئذٍ (يوگع على أهله). وفي حقيقة الأمر أن جلّ الحاضرين في الاجتماع، ولاسيما ممثلو الدول البعيدة عن العراق، قد لايهمهم سقوط الحائط على أهله، بل منهم قد يعد حدثا كهذا (عيد وجابه العباس) والأمثلة على هؤلاء كثيرة ومن أقرب الجيران الى العراق. لكن..! بشكل عام فإن النتائج التي خرج بها الاجتماع أفرحت العراقيين -الشرفاء حصرا- كثيرا، بما يدفع لديهم الأمل بانقشاء الغيمة السوداء التي رافقت الرايات السود المحمولة مع القطعان القادمة من فجوج الأرض، متكالبة على أرض العراق وشعب العراق وتاريخ العراق، ومن المؤكد ان هذه القطعان لاتسير من وحي ذاتها.. بل هناك من يسيرها بدوافع عدة، أولها الطائفية وآخرها الطائفية وبين الأولى والأخيرة أسباب طائفية لاغير، وهذا ما أثبتته الوقائع التي حصلت منذ العاشر من حزيران حتى اللحظة.
واللافت للانتباه ان عبارات كثيرة وردت في الاجتماع كانت تنم عن مؤازرة دول الغرب والشرق والشمال والجنوب من المعمورة مع العراق، منها مثلا دعوة أعضاء المجلس في البيان الصادر إلى “مساندة جهود الحكومة العراقية الجديدة والرامية إلى استقرار وازدهار جميع العراقيين”. كذلك إعراب المجلس عن “الغضب الشديد إزاء أعمال السرقة والخطف والاغتصاب والتعذيب التي يمارسها التنظيم ضد العراقيين”.
ولكن..! هناك توصية جاءت في الاجتماع تدعو الى “ضرورة مشاركة جميع شرائح العراق في العملية السياسية وانخراطها في الحوار السياسي، وفقا لخطة العمل الوطنية للحكومة الجديدة في العراق”. هنا أود توجيه سؤال من خلال منبري هذا الى ساسة العراق ومسؤوليه، في رئاسات المجلس التشريعي والتنفيذي والرئاسي.. والكتل والأحزاب السياسية.. رؤساء ونوابا وأعضاء؛
هل حقا أنتم بحاجة الى توصية من مجلس الأمن تحثكم على المشاركة بالعملية السياسية في بلدكم بشكل جدي وناجع؟! وهل نرد على مجلس الأمن فنقول: (لاتوصّي حريص)؟! أم نقول له: “لقد أسمعت لو ناديت حيا…”.