18 ديسمبر، 2024 6:01 م

أوزبكستان…. بين الماضي والحاضر

أوزبكستان…. بين الماضي والحاضر

نبذة عامة عن أوزبكستان:
يطلَق على السكان الذين يستوطنون أوزبكستان “الأوزبك”، وهم إحدى الجماعات أو القبائل التركية التي سكنت وسط ما يُعرَف اليوم بآسيا الوسطى، ويتكلمون اللغة الأوزبكية التي هي فرع من شجرة اللغات التركية، كما يُعَدّ الأوزبك الشعب الثاني بعد الأتراك الذي يتحدث باللغة التركية، إذ يتحدث بها قرابة 35 مليون شخص , يبلغ متوسط درجة الحرارة في فصل الشتاء نحو 6 درجات مئوية وفي الصيف ترتفع إلى ما يزيد عن 32 درجة .
ما يقرب من 90 بالمائة من السكان مسلمون, منهم حوالي 54 بالمائة يُعرفون بأنهم لا ينتمون لطائفة، و18 بالمائة من أهل السنة والجماعة , و1 بالمائة من الشيعة.. وحوالي 11 بالمائة صوفيون , بينما يتبع 9 بالمائة من السكان المسيحية الأرثوذكسية الروسية، و4 بالمائة يتبعون ديانات أخرى وغير متدينين, وكان فيها ما يقدر بحوالي 93 الف يهودي.
والأوزبك : هم قبائل من ذوي الأصول التركية منسوبة إلى السلطان “محمد أزبك خان” من أقوى السلاطين المنحدرين من ذرية “جنكيز خان” الذين أسلموا وحكموا منطقة نهر إيتل (الفولجا) وسيطروا على أكثر البلاد الروسية وما يعرف الآن بروسيا البيضاء وجمهوريات البلطيق وجزء من بولندا وأوكرانيا، وشملت ممتلكاته (بلاد ما وراء النهر) فنسب إليه أولئك الأقوام الذين يسكنون في تلك المنطقة؛ أي: منطقة ما وراء النهر التي فيها “أوزبكستان”.
الموقع والحدود:
ما هي دول آسيا الوسطى؟
تعرف دول اسيا الوسطى : بأنها تلك المنطقة التي تمتد من سيبيريا وروسيا شمالا إلى إيران وأفغانستان جنوبا، ومن منغوليا والصين شرقا إلى بحر قزوين غربا وهو البحر الذي عرف باسم “بحر الخزر”.
وتضم دول آسيا الوسطى كلا من: “أوزبكستان، طاجكستان، كازاخستان، تركمانستان، قيرغيزستان” وهي الدول التي خضعت سابقا ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي – روسيا حاليا- وحصلت على استقلاها في نهاية عام/ 1991 م .
تُعَدُّ “أوزبكستان” إحدى جمهوريات آسيا الوسطى، تحدها “كازاخستان” من الشمال والغرب، و”تركمانستان” من الجنوب، و”قرغيزستان” و”طاجيكستان” من الشرق، وكلها جمهوريات إسلامية.
وتقع “أوزبكستان” في وسط آسيا الوسطى، ما بين نهري سيحون (سرداريا) وجيحون (أموداريا)، وتضمُّ معظم المناطق المهمة التي تقع شرق نهر “جيحون” بعد خروجه من “طخرستان” في “أفغانستان”.
تمتد أوزبكستان بين سلسلة جبال حِصار وبحر آرال شبه الجاف, يتميز هذا البلد بصحاري رملية وواحات تبدو بلا نهاية، والتي كانت في الماضي تحظى بأهمية كبيرة جدا في الشرق بأسره.
المساحة والنفوس
تبلغ مساحتها الإجمالية 447400 كم2، ويعني اسمها “أرض الأوزبك”، تقع في آسيا الوسطى، يحيط بها كل من كازاخستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجكستان, يبلغ عدد سكانها أكثر من 30 مليون نسمة، هذه الجمهورية السوفيتية السابقة استقلت في العام /1991م.
وأراضيها عبارة عن منطقة جبلية في الجنوب الشرقي؛ حيث الامتداد الغربي لجبال “تنغري تاغ”، ثم تميل تدريجيًّا نحو الغرب حتى صحراء “قزيل قوم”، حيث في طرفه الشمالي بحيرة “آرال”، بينما تغطي وديان “فرغانة” و”سير” و”زرافشان” الجنوب، فإن “وادي فرغانة” يمتد إلى ركن الجنوب الشرقي لأوزبكستان، ويبلغ طوله ۳۰۰ کم وعرضه ۱۷۰ کم.
التاريخ الديني والثقافي لأوزبكستان
العهود المبكرة :
يرجع تاريخ أوزبكستان إلى عهود موغلة في القدم فقد عثر فيها على آثار إعمار بشري يعود إلى العصر الحجري، ولكن التاريخ المسجل لأوزبكستان يبدأ حينما دخلت هذه المنطقة ضمن نطاق الامبراطورية الأخمينية في عهد داريوس (542-486 ق.م).
وتعرَّضت المنطقة في القرن الرابع ق.م لجيوش الاسكندر المقدوني، وأسس ديودوتس حاكم باكترية (بلخ) السلوقي مملكة مستقلة فيها سنة 250ق.م , انتقلت السيطرة على هذه النواحي إلى الفرس الساسانيين في عهد أردشير الأول سنة 227، وفي العهد الساساني تولى حكم الصغد وباكتيرية حكام من الأُسرة المالكة الساسانية.
وفي أواسط القرن الرابع الميلادي تعرضت تركستان الغربية (أوزبكستان) لغزوات الهون الذين اخترقوا منطقة الصغد في موجات متعاقبة كان آخرها موجة الهياطلة الذين هددوا حدود الامبراطورية الساسانية ما يقارب المائتي عام حتى سحقهم كسرى أنوشروان (531- 579) بوساطة غزاة جدد قادمين من وراء نهر سيحون يعرفون بالأتراك الغربيين , وبقيت تحت حكمهم ما يقارب القرن .
وفي نهاية القرن الأول الهجري/الثامن الميلادي، فتح العرب المسلمون بلاد ما وراء النهر، والنهر هو نهر جيحون (أمودارية) ومنذئذ دانت البلاد بالإسلام الذي تكامل انتشاره في القرون التالية، ونجح السامانيون (261- 389هـ/874- 999م) في تأسيس سلالة حاكمة في ما وراء النهر، واتخذوا بخارى عاصمة لهم.
كان الإيرانيون الرحل أول شعب عرف أنه أحتل آسيا الوسطى , آذ وصلوا إلى المروج الشمالية بما يعرف الآن أوزبكستان في وقت ما في الألف الأول قبل الميلاد.. بدأ هؤلاء الإيرانيون الرحل الذين تكلموا اللهجات الإيرانية بالاستقرار في آسيا الوسطى، وبناء نظام ري ممتد على طول الأنهار في المنطقة.
في هذا الوقت، بدأت مدن مثل بخارى وسمرقند لتبدو وكأنها مراكز سياسية وثقافية, وبحلول القرن الخامس قبل الميلاد سيطر السغد وتخارعلى منطقة باختريا ,كما بدأت الصين في تطوير تجارت الحرير مع الغرب،
لقد أخذت المدن الإيرانية الاستفادة من هذه التجارة وأصبحت مركزا لتلك التجارة باستخدام شبكة واسعة من المدن والمستوطنات في بلاد ما وراء النهر (عرف الاسم عند الجغرافيين والمؤرخين العرب المسلمين والتي تعرف اليوم بأوزبكستان) والشرق الأقصى في ما يعرف اليوم بالصين وبالتحديد في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم، وأصبح الوسطاء السغد أغنى من التجار الإيرانيين أنفسهم.
وبسبب هذه التجارة أصبح هناك بما يعرف باسم طريق الحرير، وأصبحت سمرقند في نهاية المطاف مدينة ثرية للغاية، وصارت بلاد ما وراء النهر في وقت ما واحدة من المقاطعات الفارسية الأكثر نفوذا وقوة في العصور القديمة.
كانت ثروة ما بلاد النهر مطمع دائم لغزوات قادمة من السهوب الشمالية ومن الصين أيضا, وقد حدث العديد من الحروب البينية بين السغد والفرس والصينيين الذين كانوا في صراع دائم على منطقة ما وراء النهر, كما أن الاسكندر الأكبر سيطر على المنطقة في 328 قبل الميلاد، مما جعلها لفترة وجيزة تحت سيطرة الامبراطورية المقدونية.
في القرون نفسها كانت المنطقة أيضا مركزا هاما للحياة الفكرية والدينية. حتى القرون الأولى بعد مجيء السيد المسيح، وكان الدين السائد في المنطقة الزرادشتية لكن البوذية والمانوية والمسيحية جذبت أعدادا كبيرة من الأتباع.
العهود الإسلامية :
يعود تاريخ الإسلام في أوزبكستان إلى القرن الثامن الميلادي، حيث انتشر الإسلام في المنطقة من خلال التجارة والعلاقات السياسية مع الدول الإسلامية الأخرى, وقد أسهمت الأماكن المقدسة في أوزبكستان، مثل سمرقند وبخارى، في جعل البلاد مركزًا هامًا للعلم والتعليم الإسلامي.
جلب الفتح الإسلامي في آسيا الوسطى بقيادة العرب، والذي اكتمل في القرن الثامن الميلادي، دينا وثقافة جديدا إلى المنطقة لا تزال مهيمنة حتى الآن.
غزا العرب بلاد ما وراء النهر لأول مرة في منتصف القرن السابع الميلادي من خلال غارات متفرقة أثناء غزوهم لبلاد فارس.. المصادر المتاحة عن الفتح العربي تشير إلى أن السغد والشعوب الإيرانية الأخرى في آسيا الوسطى كانوا غير قادرين على الدفاع عن أراضيهم ضد العرب بسبب الانقسامات الداخلية وغياب القيادة القوية.
في العهد الراشدي 11-41هـ
في عهد الخليفة الراشدي الثاني (عمر بن الخطاب 13-23هـ) كانت البداية الأولى لفتح بلاد ما وراء النهر, ففي عهده وصل (الأحنف بن قيس) لنهر جيحون، وفي عهد الخليفة الثالث (عثمان بن عفان 23- 35هـ) وصل الأحنف بقواته إلى خوارزم .
بدأ الفتح الإسلامي لتلك المنطقة والتي كان يُطلَق عليها “بلاد ما وراء النهر” بعد الانتصار على الإمبراطورية الفارسية في معركة “نهاوند”، ومطاردة الإمبراطور الفارسي المنهزم “يزدجرد” الذي هرب إلى “خراسان”، ووصل المسلمون إلى بلاد ما وراء النهر منذ أواخر عهد الخليفة الراشد “عمر بن الخطاب”.
وتوالت هجمات المسلمين على تلك المنطقة في أيام الخليفة الراشد “عثمان بن عفان 23-35هـ ” الذي وجَّه “عبدالله بن عامر” لتلك المنطقة مرة ثانية عام /31 هـ، ثم توجَّه “الأحنف بن قيس” إلى أعالي نهر “جيحون” في حملات لتوطيد سلطان المسلمين بالمنطقة ففتح “طخارستان”.
في العهد الأموي 41-132هـ
وفي عهد الدولة الأموية 54 هـ فتح (عبيدالله بن زياد بن أبيه ) خراسان وتبعه (عثمان بن العاص )عام 56 هـ ففتح سمرقند، وأول مسجد بني في بخارى عام 94 هـ.
في القرن التاسع الهجري بدأت تنشأ أولى المدراس حيث تدرس المواد الإسلامية كالتفسير والحديث والفقه حتى أصبحت بلاد ما وراء النهر حصنا من حصون الإسلام كمدينة مكة المكرمة والمدينة والكوفة، وانتشر المذهب الحنفي في هذه المناطق ابتداء من القرن الثامن الميلادي.
وفي القرن التاسع أصبحت – طشقند – مركزاً كبيراً لتقدم الثقافة الإسلامية، ومن أبرز علماء المذهب الحنفي (برهان الدين مرغيناني) مؤلف كتاب ( الهداية) و(محمد بن علي ابن كفال الشاشي) “أصول الفقه” الذي يعد أساسا للمذهب الشافعي.
كما ساهم علماء بلاد ما وراء النهر في تقدم الشريعة الإسلامية بتأليفهم أهم منابع الإسلام بعد القرآن الكريم – جمع أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام كصحيح البخاري للإمام البخاري , وسنن الترمذي، كما أنشأ أحد علماء العالم الإسلامي من مدينة سمرقند (أبو منصور الماتوريدي) أحد أهم المدرستين في العقيدة الإسلامية السنية – مدرسة الماتوريدي.
في المقابل قاد المسلمون قائد شجاع هو (قتيبة بن مسلم الباهلي ) إلى جانب الرغبة الكبيرة في نشر دينهم الجديد , بسبب هذه العوامل فتحت بلاد ما وراء النهر بسهولة وانتشر الدين الجديد تدريجيا في المنطقة.
الثقافة الأصلية لشعوب المنطقة بدأت تنحصر أمام الثقافة والدين الجديدين ,وأصبحت أسيا الوسطى منطقة إسلامية , وزادت ترسخا بانتصار الجيوش العربية على الصينية عام 750م في معركة نهر طلاس.
وفي عهد الأمويين اهتمَّ الخلفاء المسلمون بأمر إقليم خراسان، وأرسل “معاوية بن سفيان41-60هـ” واليَه “عبيد الله بن زياد بن أبيه ” عام 54 هـ – 673 م الذي عبر نهر “جيحون” مرة أخرى، وفتح “بيكند”، وحاصر “بُخارى” وصالحه أهلها.
عزل معاوية “عبيد الله بن زياد” وولَّى أمر إقليم “خراسان” إلى “سعيد بن عثمان بن عفان” فأغار على “بُخارى” فانتصر عليهم، كما أغار على “سمرقند”، ويُقال: إن “قثم بن العباس بن عبد المطلب” ابن عَمِّ النبي (ص) قد استُشهِد في “سمرقند”، ودُفِنَ هناك، ولا يزال ضريحُه بالمدينة.
• استمرت الفتوحات في عهد ولاية “سعيد بن زياد بن أبيه”, آذ ألَّف جيشًا وتوجَّه نحو “بُخارى”، فصالحه أهلُها, ولكنهم نَقَضُوا العهد، وكان ذلك دَيْدَنَهم مع المسلمين، فأرسل إليهم “المُهلَّب بن أبي صُفْرة” فانتصر عليهم.
• أما الفاتح الحقيقي لبلاد ما وراء النهر ومن ضمنها بلاد “أوزبكستان” فهو القائد المسلم “قتيبة بن مسلم الباهلي” الذي وجَّهَه “الحجَّاج بن يوسف الثقفي” لفتح تلك البلاد عام 88 هـ، فسار إلى “بيكند” وكانت على غاية من التحصين, ففتحها بعد عناء، ثم فتح مدينة “بُخارى”، ثم مدن “خوارزم”، ثم فتح “سمرقند”، وبنى فيها مسجدًا، ثم عاد إلى “مَرْو”، وفي العام التالي غزا بلاد “الشاش” (طشقند) و”فرغانة”، ثم اتَّجَه إلى “كاشغر” في تركستان الشرقية، وفتحها، وذلك في خلافة (الوليد بن عبد الملك 86-96هـ).
كان “قتيبة” من الولاة النابهين، ولاحظ نقض أهل “بُخارى” للعهد أكثرَ من مرة، وعدم استقرار الإسلام في قلوبهم، وميلهم لحرب المسلمين المرة تِلْوَ المرة, لذا قام بعدد من الإجراءات الاستباقية لغرس الإسلام في قلوب أهل المنطقة، كان منها :
كان أهل “أوزبكستان” يُقبِلون على الإسلام في الظاهر، ويعبُدون الأصنام في السِّرِّ، فأمر “قتيبةُ” أهلَ “بُخارى” أن يعطوا نصف بيوتهم للعرب المسلمين، ليُقيموا معهم، ويطَّلِعُوا على أحوالهم, وبهذا انتشر الإسلام، وأُزيلَتْ آثار المجوسية.
كان “قتيبة” يأمر المسلمين أن يخرجوا ومعهم أسلحتهم أثناء ذَهابهم لصلاة العيد, حيث كانوا لا يزالون يخشون بأس المجوسية، وأصبحت بعد ذلك سُنَّةً إلى اليوم، يُخرِج كُلُّ صاحب سلاح سلاحَه أثناء ذَهابه لصلاة العيد.
عندما فتح المسلمون مدينة “بُخارى” أُقيم بجانب أمير “بُخارى” عامل عربي تابع لأمير “خراسان” الذي كان مقره مدينة “مَرْو” الواقعة حالياً في جمهورية تركمانستان.
نصح “قتيبةُ بن مسلم” أهلَ تلك البلاد أنَّ مَن دخل في الإسلام وحَسُن إسلامُه تُرفَع عنه الجزية، وبذلك دخل أهل “سمرقند” وكافة بلاد ما وراء النهر في الإسلام طواعيةً أيام “سليمان بن عبد الملك 96-99 هـ” على يد الداعية “صالح بن طريف” والذي كان يُكنَّى بأبي الصيداء.
وقد بنى “قتيبةُ” أوَّلَ مسجد في “بُخارى” عام (94هـ – 714م)، وقد جُدِّدَ هذا المسجد ومنارته عام (515 هـ – 1121 م) بأمر “أرسلان خان”، ويُعتبر هذا المسجد ومنارته من أهم آثار “بُخاری” الإسلامية.
نتيجة لتلك الجهود أسلم ملك بُخارى “طغشاده بن الخاتون” على يد “قتيبة”، وبقي ملكًا عليها، وأنجب ولدًا سمَّاه “قتيبة” تيمُّنًا بالفاتح المسلم, ولكن هذا الابن ارتدَّ أيام “أبي مسلم الخراساني” الذي قتله.
نتيجة لإحلال العناصر العربية بإقليم خراسان وبلاد ما وراء النهر، وخاصة قبائل “اليمانية”، استقرَّ الإسلام بالمنطقة, لكن في عهد الولاة في أواخر العصر الأموي ثارت العصبية فيما بين العرب “اليمانية” و”المضرية”، واستغل داعية بني العباس “أبو مسلم الخراساني” هذا الأمر، ونادى بالثورة على حكم بني أمية من “خراسان” ولم يلبث أن استطاع “أبو مسلم الخراساني” الانتصار على الجيش الأموي لتسقط الدولة الأموية، وتقوم دولة بني العباس.
تحت الحكم العربي احتفظت آسيا الوسطى بالكثير من طابعها الإيراني وبقيت مركزا مهما للثقافة والتجارة لعدة قرون بعد الفتح العربي, ومع ذلك كانت اللغة العربية حتى القرن العاشر الميلادي لغة الحكومة والتجارة والأدب.
واصلت بلاد ما وراء النهر كلاعب سياسي هام في الشؤون الإقليمية، كما أنها كانت تحت السلالات الفارسية المختلفة, في الواقع تم تأسيس الخلافة العباسية التي حكمت الوطن العربي لخمسة قرون ابتداء من عام 750م حتى عام/ 1258م , بفضل يعود جزء كبير منه إلى المساعدة من أنصار تلك الخلافة في آسيا الوسطى الذين ناضلوا ضد الخلافة الأموية الحاكمة آنذاك.
في العصر العباسي 132-656هـ
في أوج الخلافة العباسية في القرنين الثامن والتاسع الميلادي، شهدت آسيا الوسطى وبلاد ما وراء النهر عصرا ذهبيا بحق, وأصبحت بخارى واحدة من المراكز الرائدة في مجال التعليم والثقافة والفن في العالم الإسلامي، كانت عظمتها تنافس مراكز ثقافية معاصرة مثل بغداد والقاهرة وقرطبة, وكان بعضا من أعظم المؤرخين والعلماء والجغرافيين في تاريخ الثقافة الإسلامية من تلك المنطقة (مثال البخاري).
بدأت الخلافة العباسية تضعف وبدأت المناطق الإسلامية الإيرانية تبرز كحكام لإيران وآسيا الوسطى، كما أن اللغة الفارسية بدأت تستعيد دورها البارز في المنطقة باعتبارها لغة الأدب والحكومة, وكان الإيرانيون حكام القسم الشرقي من إيران وبلاد ما وراء النهر, وتحت ظل السامانيين والبويهيين استمرت ثقافة غنية من ثقافة بلاد ما وراء النهر بالازدهار.
وأصل الأوزبك وهم قبائل ذات أصول تركية منسوبة إلى السلطان “محمد أوزبك خان” من أقوى السلاطين المنحدرين من ذرية “جنكيز خان” الذين أسلموا وحكموا منطقة نهر إيتل (الفولجا).
• كان هدف العباسيين في “أوزبكستان” محاربة الثورات المحلية التي كانت تنشب في حواضرها، وتأمين البلاد خارجيًّا, لذا جعلوا الولاية وراثية في أبناء الأشراف.
• قام العباسيون بالاعتماد على العنصر التركي من أهل “أوزبكستان” في الجيش وحرس الخليفة، حتى صارت لهم الكلمة العُلْيا في البلاط، وساهم ذلك في سقوط الدولة العباسية.
• مرَّت “أوزبكستان” بحركة علمية زاهرة طوال تاريخها الإسلامي، وانحسر هذا الدور مع سقوطها تحت الاحتلال الروسي ثم الهيمنة الشيوعية الحديدية.
في العصر التيموري :
قصة تيمور لنك
وُلِد الأمير تيمور، في مدينة شهر سبز (المدينة الخضراء) جنوب سمرقند بأوزبكستان الحالية, وذلك في التاسع من إبريل (نيسان) عام/ 1336م، وكان أبوه أحد رؤساء قبيلة برلاس المغولية، أما أمه فيعود نسبها إلى جنكيز خان، وقد تعلم العربية في صباه، كما تعلم ركوب الخيل والصيد وفنون الحرب مع أقرانه من أبناء قبيلة برلاس حتى صار أفضلهم.
وساعده أصله الممتد إلى جنكيز خان، وحياته في قبيلة برلاس، على اكتساب سمات القوة والزعامة والتطلع الدائم إلى مكان أفضل، كما كان لنشأته الدينية مع أبيه وبعض المشايخ في محيطه دور كبير في نزعة التدين التي اتسم بها.
عمل تيمور في شبابه بالرعي، وكانت أفضل هواياته الصيد ولعب الشطرنج. أما بداية ظهوره في عالم السياسة فكانت حين جعله طوغلوق تيمور وزيرًا لابنه إلياس خوجة، في حملته على بلاد ما وراء النهر بعد وفاة كازغان، آخر إيلخانات تركستان، لكن علاقة تيمور بإلياس سرعان ما ساءت، فهرب وانضم إلى الأمير حسين حفيد كازغان، وتزوج أخته وظل يترقى في بلاطه حتى صار أحد أركان دولته.
تحالف الأمير تيمور
تَحالف تيمور لنك مع الأمير حسين وخاض صراعًا قويًّا ضد إلياس خوجة، لكنه هزمهما فهربا إلى قندهار ثم سيستان، حيث نجحا في بناء جيش قوي هاجما به إلياس خوجة، واستطاعا السيطرة على بلاد ما وراء النهر، إلا أنهما اختلفا وصارت بينهما حرب انتهت بانتصار تيمور ودخوله سمرقند وإعلان نفسه حاكمًا عليها في 14 إبريل (نيسان) عام/ 1370م، حيث عقد جلسة للقوريلتاي أعلن خلالها رغبته في استعادة أمجاد دولة المغول.
بعد تأسيس الدولة أخذ تيمور يتوسع شرقًا وغربًا، حيث فتح بلاد خوارزم عام/ 1372م ، وسيطر على صحراء القبجاق وإقليم خراسان وأفغانستان عام/ 1385م ، ثم أذربيجان وفارس وأصفهان، ثم دخل صراعًا مع طوقتاميش خان القبجاق وهزمه عام /1389م ، ودمر بلاده وضم أرضها إلى إمبراطورتيه، قبل أن يتوجه إلى إيران ليقضي بها خمسة أعوام بدأت من عام/ 1392م لإخضاع ثورة أهلها، ثم توجه إلى العراق فخرب واسط والبصرة والكوفة وديار بكر، واتجه إلى أرمينيا وجورجيا، حيث فعل بهما ما فعل بإيران والعراق.
في الشرق غزا تيمور الهند وسحق جيوشها عام/ 1397م ، واحتل عاصمتها دلهي وخربها، ثم عاود حملاته غربًا في حملة عُرفت باسم حملة السنوات السبع بدأت عام/ 1399م، افتتحها تيمور باكتساح إقليم قره باغ/ آرتساخ، ثم تبليسي عام /1399م ، ثم سيواس عام /1400م، ثم عينتاب، ثم حلب وحماة والسلمية، ثم دمشق التي سلمت بعد مقاومة، فأشعل فيها النار ثلاثة أيام، حتى أصبحت أثرًا بعد عين، ثم دمر طرابلس وبعلبك، ودمر ماردين وحمص.
ثم عاد إلى بغداد فحاصرها حتى دخلها فأحرقها وقتل كثيرًا من أهلها، ثم تحرك بجيوشه نحو آسيا الصغرى عام/ 1402م ، حيث اصطدم بالجيش العثماني بقيادة السلطان بايزيد الأول يلدريم “الصاعقة” في معركة أنقرة، فانتصر انتصارًا ساحقًا، وأسر السلطان العثماني الذي مات أسيرًا في مارس (آذار) عام/ 1403م .
هزيمة تيمور لنك
لم يهدأ تيمور ولم يقنع بما حقق، فبدأ يعد العدة لغزو الصين، وأعد لذلك جيشًا ضخمًا تحرك به عام/ 1404م , ورغم شدة البرودة ونصائح أطبائه بالتروي حتى يمر الشتاء أصر تيمور على إتمام حملته.
فحدث ما حذره منه الجميع, حيث عانى جيشه الويلات، وخاض هو صراعًا عنيفًا مع المرض انتهى بموته في 18 فبراير(شباط) 1405م ، فنقل أتباعه جثمانه إلى سمرقند، حيث دُفن هناك في ضريحه المسمى “كور أمير”، ويعد اليوم بطلا قوميًّا لجمهورية أوزباكستان، وتملأ تماثيله أهم مدنها.
وهكذا مات تيمور لنك بعد أن بنى إمبراطورية ضخمة، امتدت من غرب الصين حتى آسيا الصغرى وشرق أوربا، ومن جنوب الهند وبلاد فارس حتى هضاب منغوليا.
كان حينها قد جاوز السبعين من عُمره، أما وصيته فكانت أن يستمر الجيش في طريقه لغزو إمبراطورية الصين، وأن يتولى حكم إمبراطورتيه حفيده (بير محمد بن جهان كير)، لكن ابن عمه خليل استولى على السلطة بدلاً من بير محمد، وقد حاول بير محمد استرداد سُلطانه لكنه هُزم من جيش خليل، إلى أن توفي عام / 1407م .
بعد ذلك بأربعين عاماً استعاد العثمانيون الأتراك دولتهم وقوتهم التي سلبها المغول، واستطاعوا فتح القسطنطينية عام/ 1453م على يد (محمد الفاتح 855-886هـ).
في العصر الحديث 1923-2025م
أوزبكستان اليوم
خلال القرن التاسع عشر الميلادي هزم الروس الخانات، أو وقع بعضهم تحت تأثيرهم, ثم كسب الشيوعيون السلطة في روسيا عام/ 1917م، وأصبحت أوزبكستان جمهورية سوفيتية في 27 تشرين الأول 1924م.
طبقت الحكومة السوفيتية سلطة صارمة على مظاهر الحياة كلها في أوزبكستان حتى أواخر الثمانينيات من القرن العشرين.
وفي عام/ 1990م أعلنت الحكومة الأوزبكية هيمنة قوانينها على القوانين السوفيتية, ومع تفكك الاتحاد السوفيتي عام/ 1991م، أصبحت أوزبكستان دولة مستقلة في 20 حزيران سنة 1991.
وقد أدّت التغييرات المتسارعة إلى حدوث بعض مظاهر عدم الارتياح، فقد نتج عن التغييرات السياسية والاقتصادية زيادة في الأسعار والبطالة , كما أدت الصعوبات الاقتصادية إلى زيادة التدهور في العلاقة بين المجموعات العرقية.
أجريت أول انتخابات رئاسية بعد الاستقلال في ديسمبر/ 1991م, فاز (إسلام كريموف ) ممثل حزب الشعب الديمقراطي الأوزبكي ورئيس الحزب الشيوعي السابق وأصبح رئيسًا, وفي عام /1995م، أجري استفتاء سمح بموجبه لكريموف بتمديد فترة رئاسته حتى عام /2000م.
في أوائل التسعينات مع نهاية السلطة السوفيتية، جاءت مجموعات كبيرة من الدعاة الإسلاميين، معظمهم من المملكة العربية السعودية وتركيا، إلى أوزبكستان لنشر الدعوة الإسلامية.
في عام/ 1992، في بلدة نامانجان، سيطرت مجموعة من الإسلاميين المتعلمين في الجامعات الإسلامية في المملكة العربية السعودية على مبنى حكومي وطالبت الرئيس كريموف بإعلان دولة إسلامية في أوزبكستان وإدخال الشريعة باعتبارها النظام القانوني الوحيد.
ومع ذلك، ساد النظام، وضرب في نهاية المطاف بشدة على الجماعات الإسلامية المتشددة، التي فر قادتها فيما بعد إلى أفغانستان وباكستان ,وقتلوا في وقت لاحق في معارك ضد قوات التحالف.
في عامي/ 1992 و 1993، تم طرد حوالي 50 داعية من المملكة العربية السعودية, واضطر الدعاة الصوفيون أيضًا إلى إنهاء أنشطتهم في البلاد, لكن في الغالب، شهدت السنوات التي أعقبت استقلال أوزبكستان عودة ظهور شكل تقليدي للإسلام.
وبحسب مسح للرأي العام أُجري عام/ 1994، فإن الاهتمام بالإسلام ينمو بسرعة كبيرة, قلة قليلة من الناس في أوزبكستان كانوا مهتمين بشكل من أشكال الإسلام من شأنه أن يشارك بنشاط في القضايا السياسية.. وهكذا، يبدو أن السنوات الأولى من الحرية الدينية ما بعد السوفييتية عززت شكلاً من الإسلام يتعلق بالسكان الأوزبكيين بشكل تقليدي وثقافي أكثر من المصطلحات السياسية.
وتلقي الحكومة اللوم على اضطرابات مايو/ 2005م في أوزبكستان بهدف الإطاحة بحكومة أوزبكستان لجعلها جمهورية ثيوقراطية في آسيا الوسطى, وقد ألقى الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف باللوم على الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهي التسمية التي استخدمها لوصف المعارضين السياسيين في السنوات الأخيرة والتي يقول منتقدوه إنها تستخدم ذريعة للحفاظ على الدولة القمعية. نفى حزب التحرير تورطه في الاضطرابات، لكنه أعرب عن تعاطفه وتضامنه مع ضحايا الاضطرابات، وألقى باللوم بحزم على الممارسات القمعية وفساد الحكومة.
تعتبر الحكومة الأوزبكية منذ استقلال البلاد من أكثر الحكومات الإسلامية تبنياً لسياسة العلمانية، حيث تحرص على الحفاظ على فصل الدين عن الدولة وضمان حرية الدين والعقيدة لجميع المواطنين. وعلى الرغم من ذلك، يوجد توتر بين الحكومة والمجتمع الإسلامي في البلاد نتيجة لقيود الحكومة على ممارسة الدين الإسلامي.
المراجع :
د. حسين مؤنس، أطلس تاريخ الإسلام، الناشر: الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1987م.
محمد علي البار، المسلمون في الاتحاد السوفياتي عبر التاريخ، دار الشروق، 1983، الجزء الأول.
Centre for Arab & Islamic .
UNESCO/ لمحة عن طريق الحرير… أوزبكستان/https://ar.unesco.org/silkroad/countries-alongside-silk-road-routes/awzbkstan.