18 ديسمبر، 2024 8:21 م

مثلُ نبي
أثيرُ من حولي
غبارَ التعبِ
مثلُ نبي
لي الضياءُ
كلّه
وزهرةٌ لي في السماءِ
رُصّعتْ بالذهبِ
وفي دمي
خزائنٌ من النجومِ
من شظايا الشهبِ
وكسرةٌ من
حرفِ قمحٍ طيّبِ
مثلُ نبي
بي ومضةُ البرقِ
وطهرُ الصيّبِ
والتينُ والزيتونُ
والسدرُ
ومن عرائشِ الصيفِ
سلالُ العنبِ
وبي وبي
حزنُ الذي يحملُ
فوق ظهرِهِ
أوزارَ دهرٍ
وقرى باءتْ
بريحٍ صرصرٍ
وصيحةٍ من غضبِ
مستوحدا
يرفعُ من قواعدِ البيت
وسور القصبِ
ماشادَ في الرمالِ
من مدائنٍ
وحينما
تفتّحتْ
أزهارُه
وأشرقتْ
أنوارُه
بقلبِه
أسرى إلى السماءِ
صاعدا
لأفقٍ أرحبِ:
-ربّاه
إنّي عائدٌ
من شهوةِ الصلصالِ
من ماء الفرات العذبِ
جئتُ إليكَ
في يديّ ابرتي
أرفو بها
أسمالَ كونٍ خَربِ

مثلُ نبي
أمشي على الماءِ
أبلّ خطوتي
بضوئهِ المضطربِ
وفي فمي
مرارةُ التيهِ
ونهرُ أدمعٍ
سالَ على
رأسِ طريقٍ أشيبِ
أخفي صراخَ خافقي
أبريء
بالصمتِ الجليلِ المطبقِ
جرحَ السنا
وحدي أنا
أحبو بليلٍ مقفرِ
دثّرني بسّره
فصار عمري
سفرا
في سَفَرِ
بلا هدى
أمشي
بدربٍ مجدبِ
وحدي
وعشبُ جبهتي
مضمّخ بأحرفٍ
معجونةٍ بالشغبِ
أبحثُ
في الأمسِ
الذي غادرَ
عن حلمِ أبي
ذاك الذي عمّده بالتعبِ
ودمعِ أمي الساخنِ المنسكبِ
محتطبا ليلي
ويجثو
فوق
صدري حطبي
أمرُّ بالعصورِ
والعصورُ
عندما تزورُ
الوقتَ
لا تمرُّ بي
وحينما
تلفّتت ذاكرتي
صوبَ الذي
نسيته..
بعد سنينٍ مثقلاتٍ
بالأسى والكُربِ
إذا به
ظلّ كما تركتُه
شيخا بجلباب صبي
وكان يلهو منشدا
في صفّه:
” لي قطعٌ من خشبِ
ألهو بها في اللعبِ”
لي قطعٌ من النهار
المستفزّ
العصبي
” أبني لكم
دارا بها”
ماذا ستبني
في فراغ
شيّدوا
في قلبه
الأبراج فوق السحبِ؟
“أصفّها فتنتظم
ثمّ سريعا تنهدم”
وقطعةً..
فقطعةً
تهدّمت خارطةُ الغياب
فوق صورة “المهندس الصغير”
بين الكتبِ
وحينما أبصرني
عانقتُه
شممتُه
حدّقت في دموعهِ
عيناه عيناي
ولوني لونُه الأسمرُ
في الفؤادِ
منه ندبةٌ
بعض بقايا صخبِ
صحتُ: شبيهي
في الضنى
هلمّ نحوي
ضمّني
وشدّني
فقالَ لي:
أنت أنا
ومؤنسي
وصاحبي
لكنّني
كما تراني هائما
بكوكبٍ
وأنت
في غيابةِ الجبّ
رموك
تائها
بكوكبِ
فامضِ
إلى البعيد
دعني هاهنا
مثلَ نبي
أضيء في مغتربي
*نشر في العدد الجديد من مجلّة” الأقلام” الثالث2020