من اللحظة الأولى التي تبدأ بقراءة الديوان الشعري ” أوروك ” ياسليل التعب ، الصادر عن دار ” ميزوبوتاميا ” بغداد – شارع المتنبي، وهو من القطع المتوسط ويقع في 66صفحة ، حتى تلمس هاجسه الشعري يتمحور في ثيمة وحدة الوطن ، وعذاباته التي لا تنتهي، وكأنه يدخلك في عالمه التأملي الذي لا ينتهي عبر مفردات شعرية صاغها من عذابات روحه المستعرة ، والتي أشتعلت بما يحطيها من صراعات و إنشقاقات عبر مر التاريخ على بلده العراق ، وهو كمواطن مسلوبة حقوقه وامنياته وهو بالتالي يشركنا في لعبته العذابية الممزوجة بالأمل والطموح وهي مطالبة بين حقوق المواطنة التي مسخها الزمن العاج بالموت والقتل، والتشريد اليومي ،يقول في قصيدته ” عندما يضحك المطر ” ص54
الخطيئة التي لم اقترفًها ، ولم ألثمً شفتيها يوما ، لكنًي ، وريث ٌ ابن اللهِ إذا لم تعرفه ، فانك جاهل بعلم الطيبة وبحكايات الليالي البربرية ، لكننا بوداعة البلابل ، وفي الليل نكّفرُ عن خطايانا ، الخطيئةُ التي لمً اقترفا ،
هذه الكلمات متشكلة بالامل يغوص بها الشاعر الجنوبي ” علي الشيال ” وهو يتصارع مع مفرداته وكأنه في حلبة المصارعة ،وهنا لا اشير إلى لغة الجسد كما هو متعارف عليه ، وأنما تكرار الكلمة كي يشبع ذهنية القارئ ويعطيه فرصة للتجول والبحث في ظل الهذيانات المتراكمة عند أبن الشرق ، بالرغم مما يقال في كتٌب البلاغة ” كثرة تكرار الكلمة يعتبر من عيوب الكلام ” الغوص بتلك الجرأة والقوة في بحر الألم المنتشر في واقعه المجحف ” أوروك ” وهو حامل وجد العاشق المعذب الذي يذودُ بحبه من خلال جودة حروفه وكلماته المجففة بالعذابات والأمنيات ، وإجادة تنسيقها من خلال الماضي بالحاضر الذي إرتبط بالقهر والتقهقر ، والنفي والمنافي ، والأمل والإصرار والتصدي ، ولهذا كانت صور الشاعر ” الشيال ” تأملية وأسلوبه المصوغ في ألفاظٍ لها وقع الأثر على القارئ ، بإعتبارها أقرب لنيل المقصود من الكلام ،
ارسم عراقا بلا حروب
واقبلهُ وأنام ص24
ولهذا جاءت معظم قصائده أشد تأثيراً على نفوسنا بمخاطبة عقولنا ومناجاة أفكارنا وهو يتعقبنا بحقائقه التي عاشت معه وعاش معها ،وهنا تبرز عاطفة الشاعر من خلال ألفاظه وكذلك صوره العاجة بما يحطينا ويحيطه من ألم وموت وعذابات لا تنتهي ، والشاعر عندما يستحضر صوره ودلالاته وهو يقع تحت سيطرة مؤثر ما ، فينفعل وتسيطر على نفسه المؤثرات الخارجية وتتبلور الفكرة بداخله ويستغرق فيها ، فتجيش نفسه وتتحرك خواطره وتندمج الفكرة بوجدانه ، فيصوغها في إطار شعري معين ،
كي يعلموا بأن دمك َالمعبأ
بالبارود والهزيمة
بالتنظير والحوارات الطويلة
سمفونية للعويل
ماذا تنتظر ؟ ص52
يدخلك ” الشيال ” بموضوع معين بعد تأثره به ، ثم يلزمك أن تشاركه فيه ، ثم يقوي إحساسه بعد ذلك يحولها إلى تجربة عامة يتناول فيها مشكلات الآخرين ، وهو مسكون بشعره وطفولته ومدنه الحزينة ، مستخدماً أستعارات من القران ، نتيجة هذا الأرث الديني العاج في مدننا الجنوبية ، وهو عكس كما يقول البعض ” موت المؤلف ” وخاصة أن اللغة ” المادة ذاتها ” هي التي تنطق وتتكلم وليس المؤلف أو صوته فهو حيً ومجموعته لتنطلق مبهورة بين الأضواء والزهور وخاصة وهو يقوم بجمع ثلاثية النظام اللغوي فهناك الدال وهناك المدلول وهناك نتاج اجتماعهما معا في العلاقة كما في أساطير ” بارت ”
فسلامً على نحولِ الشوارع
وهي تومئً للراحلين
بإشارة جنوبية
لا يفقُهها إلا الراسخون ص 56