منذ كنا صغاراً و تحديداً في الثمانينات ،كانت القنوات التلفزيونية العربية تنقل برامج اوربية، منها برنامج (الحدائق جنة الأحلام ) وبشكل يومي تقريبا، تنقل الصور الجميلة و الهادئة والخلابة، للمراعي والابقار ، التي تنتشر بين سفوح الجبال ووديانها، والطيور ذات الانغام المختبئة بين الحدائق والأشجار، التي حين نشاهد الوان ازارها، نعتقد فعلاً انها من الجنة، كانت هذه البرامج غايتها جذب السياح، بتعريف البلدان غير الأوربية، بأن أوروبا هي أصلح مكان للاصطياف والراحة في جميع فصول السنة .
لكن هذه الصور اللطيفة و الهادئة، بدأ يشوبها خطر الانحسار والافول الحقيقي ، من جانب الحرب الأوكرانية التي تقودها الإمبراطورية الروسية، من خلالها تحاول إعادة أوربا لعصور الفحم الحجري، بقطع الغاز الروسي، الذي يمثل عصب حياة القارة العجوز، والذي بات سيفاً بتاراً يُقطّع بجدائل الراحة والرخاء، التي كانت تزين اكتاف بلاد العجائب وقصص وروايات حدائق جنة الأحلام، بسبب نقص الطاقة،الذي اوصل الحال بسكان القارة بتقنين ليس فقط الاضواء بل حتى مرات الغسل و الاستحمام والاكتفاء بالمسح!
ومن جانب آخر ويبدو انه يوازي نار الحرب الأوكرانية أو الأكثر خطراً منها ، ألا وهو الجفاف الذي استثنى دول الاتحاد السوفيتي سابقاً ، وبدأ يحرق كل صور أوربا الوسطى والغربية بطريقه ، حتى باتت أوربا تصحو على جفاف أضخم انهارها ألا وهو نهر “الراين” ونهر “الدانوب ” التي تعتبر عمودا فقريا لنص دول أوربا.
جفاف الأنهار الذي لم تشهده أوروبا منذ ٤٠٠ عام ، يعود سببه لارتفاع درجات الحرارة الغير مسبوق واختلاف المناخ ونتيجة لتيارات الهواء الحارة القادمة من أفريقيا ، وهذا يعني خسارة نصف اقتصاد أوربا، فهي فقدت ثروة الأسماك وعائدات السياحة والمصايف والنقل البحري عبر السفن، التي تعتبر اقل ثمنًا من النقل البري وأكثر حمولة، وإيقاف عمل محطات الطاقة الكهربائية، فالاخبار الواردة من هناك تقول :
* إن شركة الكهرباء الفرنسية “إي دي إف” (EDF) أعلنت عن تخفيض حجم الطاقة التي ينتجها أحد مفاعلاتها النووية بسبب ارتفاع درجة حرارة الماء الذي يتم استعماله لتبريد المفاعلات.
* اسبانيا أصبح مخزونها من المياه 40% فقط، وهو أدنى مستوى له بالتاريخ، وتتناقص هذه النسبة بحوالي 1.5% مع كل أسبوع تستمر فيه الحرارة المفرطة وتغيب فيه التساقطات المطرية، وحسب الحكومة الإسبانية فإن هذه السنة هي الأكثر جفافا منذ 60 عاما.
*إيطاليا : رسميا، أعلنت الحكومة الإيطالية أن هذه السنة هي أكثر سنة جافة في تاريخ البلاد، وحسب الجمعية الإيطالية للأرصاد الجوية فإن ما يحدث في البلاد لم يتم تسجيله منذ أكثر من 230 سنة.
* ألمانيا :وتراجع مستوى المياه في النهر أدى لتباطؤ حركة السفن فيه، وبلغ مستوى التأخير حوالي 132 يوما، وباتت بعض السفن تستوعب 25% فقط من قدرتها تجنبا للجنوح في النهر، وهو ما يؤدي لارتفاع تكاليف الشحن.
يبدو أن الله سبحانه وتعالى يريد ان يعاقب الغرب بسبب فساده وطغيانه الذي ملأ الأرض وأصبح لا يحتمله سطحها ، فدفع بعضهم ببعض، والعجيب ان الجفاف استثنى دول الاتحاد السوفيتي سابقاً واخذ يضرب ثلثي قارة أوربا الوسطى والغربية، لحكمة هو بالغها.