18 نوفمبر، 2024 1:20 ص
Search
Close this search box.

أوركـســترا بغـــــداد

أوركـســترا بغـــــداد

بالرغم من ان القوات الأمنية مشغولة بإنجاز مهامها في محافظة صلاح الدين ، يساندها الحشد الشعبي ، وأبناء العشائر في المنطقة لتحرير المحافظة من دنس داعش والبعث.. فان بغداد تحتفل بيومها الثقافي الذي يتكرر كل جمعة في شارع الثقافة ، وتشهد القاعات الفنية معارض تشكيلية وأخرى فوتوغرافية ومعارض للكتاب وحفلات موسيقية ، انها الحياة الحقيقية التي لا يتوقعها الاخرون ، والذين يتصورون ان بغداد تحترق ، أو ان أهلها عزفوا عن الحياة بسبب المعارك في مناطق أخرى لا تبعد عنها اكثر من 100كم .. أوركسترا بغداد التي أضافت الى لياليها جمالا وبهاءً قدمت عرضها الشهري على خشبة المسرح الوطني يوم السبت الموافق 7 آذار2015وهذا يغيظ داعش بشدة حتما ، فهل نحارب داعش بالفن والثقافة والموسيقى وهي جميعا فكر وابداع ؟.. هي رسالة جديدة اذن ، تبعثها بغداد عبر الآلات الموسيقية التي عزف عليها أعضاء الفرقة السمفونية الوطنية ، الى كل العالم بان العراقيين مازالوا يتعاطون الثقافة ، ويعزفون الموسيقى ببراعة ، وانهم عازفون ماهرون وفنانون موهوبون ومقاتلون اشداء.

الفرقة السمفونية الوطنية العراقية قدمت عرضا رائعا يوم الجمعة الموافق 8 اذار 2015 حضره جمهورغفير لم تستوعبه مدرجات المسرح الوطني فجلسوا على السلم ومن لم يجد مكانا على السلم بقي واقفا.

الفرقة قدمت عروضها بقيادة المايسترو محمد أمين عزت ، وعزفت مقطوعات موسيقية لتشايكوفيسكي ، وهو مؤلف موسيقي روسي توفي عام 1893 ، وعاش 53 عاما فقط ، قدم خلالها الكثير من المنجزات الموسيقية ، حتى اصبح واحدا من اكبر الموسيقيين في العالم.. كما قدمت الفرقة معزوفات للموسيقار دانييل لويس سمسون وهو واحد من كبار الموسيقيين ايضا .. فقد درس نظرية الموسيقى في بوينا في المدرسة الثانوية ، وفي سيبرا فيستا اريزونا وله مؤلفات كثيرة من كل قوالب التأليف الموسيقي.

الأوركسترا العراقية حرصت على ان تكون حفلتها لشهر اذار متضمنة لمسات موسيقية عراقية ، حيث اشركت الموسيقي العراقي احمد سليم غني ، من مواليد بغداد وحائز على شهادتي الدبلوم العالم والبكلوريوس في علم الموسيقى ، وهو مدير مدرسة الموسيقى والبالية في بغداد ، واحد أعضاء الفرقة السمفونية الوطنية ، ويعزف على آلـة “الكونترباص” وقد شارك في اغلب حفلاتها ، ويجيد العزف على آلـة العود ، وهذا ما دعا إدارة الفرقة الى المزج بين بعض هارموني احدى المعزوفات ونغمات العود العراقي .. وهو عمل جديد لم تقدمه الفرقة في حفلاتها السابقة..

الفرقة السمفونية العراقية التي تسعى دائما الى التجدد خاصة في برامجها القادمة حسب ما اعلن عن ذلك قائدها محمد امين عزت .. فانها تاسست في اربعينيات القرن الماضي ، وتعد من اقدم فرق الاوركسترا في المنطقة ، وكانت قد قدمت في بداية تاسيسها مجموعة من النشاطات كفرقة وترية ، واتسع نشاطها في أواسط الخمسينيات بانضمام عازفين أجانب وخبراء في تدريس الموسيقى . واستمرت الفرقة السمفونية الوطنية بالتطور ، حيث انظم اليها في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات خريجو مدرسة الموسيقى والبالية .. وتعاقب على قيادة الفرقة عدد من الموسيقيين الأجانب ، الا أن العراقيين تولوا بعد ذلك قيادتها ، ففي عام 1974 قادها عبد الرزاق العزاوي ، ومحمد عثمان صديق ، وكريم كنعان وصفي ، كما قادها عام 1989 المايستروا محمد امين عزت ، وكذلك علي خصاف .. الفرقة تضم بحدود 90 موسيقيا محترفا ، من اصل 120 موسيقيا ، وهو العدد الذي يمثل النصاب المثالي للأوركسترا العالمية .. ويشهد جمهور الفرقة من متابعي الموسيقى في العراق ، ان الفرقة قدمت اجمل عروضها وبتميز ، ما اثار اعجاب روادها ومتابعيها ، وكذلك كبار الضيوف ، حتى من الهيئات الدبلوماسية التي تحرص على حضور حفلاتها الشهرية والموسمية ، ولعل الفرقة تسعى الى تقديم الموسيقى العراقية وموسيقيين عراقيين معاصرين ماهرين ، وتطوير التراث الموسيقي العراقي وتقديمه بشكل اوركسترالي.

اذن الفرقة السمفونية العراقية واجة أخرى من واجهات الثقافة العراقية ، ولعل المستوى الذي وصلت اليه جعلها محط اعتزاز جميع المثقفين خاصة ، والعراقيين عامة ،وهي مازالت تقدم النجاح تلو الاخر.. وكانت آخر مشاركاتها في مهرجان الفجر الدولي الذي أقيم في طهران منتصف شباط 2015 حيث قدمت الفرقة أجمل عروضها وأبهرت الجمهور الإيراني..

الأوركسترا العراقية محط فخر العراقيين الذين يعتبرون الموسيقى جزءا من الثقافة العامة للشعوب وهي شاهد على انفتاح الشعب العراقي على ثقافات العالم وعدم انغلاقه رغم حفاظه على تقاليده ومعتقداته وتمسكة بتلك التقاليد والمعتقدات.

كانت ليلة السبت السابع من اذار ليلة جميلة أسهمت في صنع تألقها وبهائها الفرقة السمفونية العراقية ، التي لم تخف حزنها ومشاركتها المشاعر لاحد عازفيها الذي منعه من المشاركة استشهاد ولده في عمليات تحرير صلاح الدين .. وهكذا يسطر كل من المثقف والموسيقي والمقاتل صفحات من تاريخ العراق لايمكن ان تكون ناصعة بدونهم جميعا .

أحدث المقالات