بعد سقوط الرجل المريض بالضربة القاضية وتبني ( مصطفى اتاتورك ) سياسة انتشال الدولة التركية من التمزق والاطماع الروسية والفرنسية واليونانية وتاسيس دولة علمانية على انقاض امبراطورية دينية ، واستطاع اقناع الغرب بتحويل تركيا الى حاضرة غربية في العالم الاسلامي .وتمكن من الانسلاخ من الارث العثماني وامتصاص زخم الشعوب التي عانت من هيمنة الدولة العثمانية لخمسة قرون من التخلف والانحطاط والحروب وفرض المذهب الحنفي قسراً في الامصار الاسلامية . وتعاقب على حكم تركيا رؤساء حكومات اختلفوا في ولاءاتهم لطروحات وافكار اتاتورك العلمانية وتنكروا للحقائق التاريخية طبقاً لتطلعاتهم السياسية والدينية وكانوا يخفون ما تجول به نفوسهم وافكارهم الدينية كي لا يُساقوا الى القضاء لتنكرهم للعلمانية . لذا نجد ان الفيلسوف الانكليزي كارل بوبر اكد على انه ( لا يوجد شىء اسمه حقيقة تاريخية ، بل هناك قراءات واوجه بشرية لها ) وبالتالي ان هذه الاوجه لا تستطيع الرؤية بحياد مهما حاولت . وهذا ما نراه اليوم من تخلي واضح لـ ( اوردغان ) للدكتاتورية الرشيدة التي تبناها سلفه للمحافظة على العلمانية ومركزية الدولة التركية ومبادئها الثابتة وانتهاج الدكتاتورية الغليظة بغية اسكات الاصوات المطالبة بتنحيته ، لا سيما وان ميدان التقسيم في استنانبول كان الشرارة الاولى في تحدي سياسة اوردغان واضحت المرأة هي المتحدي الاول في التظاهر . في المقابل نجد ان الولايات المتحدة تغض الطرف عما تفعله حليفتها في قمع التظاهرات ودق المسامير في نعش الديمقراطية التركية التي كانت تتباهى بها باعتبارها الدولة المسلمة التي استطاعت ان تبني نظاماً علمانياً جديداً له خصوصيته ويلقى الترحاب والقبول في امريكا والغرب بالرغم من اشاعة الدكتاتورية الرشيدة طيلة السنين الماضية بدلاً من الديمقراطية . امام هذه التغيرات الدراماتيكية التي فرضت على اوردغان في التخلي عن الدكتاتورية الرشيدة ، نذكره دوماً ان التدخلات التي باتت تركيا شريكة فيها مع قطر والسعودية في زعزعة استقرار الانظمة السياسية في المنطقة العربية لا سيما في سوريا والعراق والتدخل في شؤونهما الداخلية وفرض اجندات اقليمية ذات طابع طائفي بغية اعادة امجاد الخلافة العثمانية وأغراق المنطقة بالدم واعطاء الضوء الاخضر للتنظيمات السلفية ببناء قواعد لها في دول الجوار الاقليمي ، نعتقد ان وصف المتظاهرين باللصوص سيكونوا قنابر موقوتة تنذر بسقوط اوردغان وحكومته اذا ما وقف الغرب معها وعلى الباغي تدور الدوائر ، ( وقل للشامتين بنا افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا ) .