22 ديسمبر، 2024 12:14 م

أوربان والاسئلة التي حملها إلى موسكو

أوربان والاسئلة التي حملها إلى موسكو

الجواب على ثلاثة أسئلة ، هي التي حملت رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، للقيام بزيارة غير مقررة إلى موسكو، بعد أن زار كييف من قبل ، وان قال أوربان إن مهمته الرئيسية خلال زيارته لموسكو كانت إقامة اتصالات مباشرة مع زعيم أحد الأطراف المتنازعة ، فخلال المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تبادل الطرفان وجهات النظر حول تسوية الصراع الأوكراني وناقشا العلاقات الثنائية ، واستمر الحوار أكثر من 2.5 ساعة ، بحضور وزير الخارجية سيرغي لافروف ومساعدو بوتين فلاديمير ميدنسكي ويوري أوشاكوف ، ووزير الخارجية المجري بيتر سيارتو.
ونجحت السرية في التحضير لهذا الاجتماع ، فبعد زيارته لكييف، بعث برسالة سرية إلى وزير خارجيته لينظم للقاء مع الزعيم الروسي ، وأصبح السياسيون الأوروبيون على علم بتنظيم الرحلة ، في مرحلة إرسال طلب رحلة فوق بولندا ، وقرر تنظيم لقاء في موسكو، مع العلم وكما قال اوربان خلال مقابلة مع صحيفة Die Weltwoche الألمانية، أن ذلك من شأنه أن يسبب رد فعل سلبي من الخارج، لأنه الزعيم الغربي الوحيد الذي يمكنه التحدث مع كل من كييف وموسكو ، فقد “خلق جميع السياسيين الآخرين وضعا حيث لا يمكنهم التواصل مباشرة مع جميع الأطراف المتصارعة».
ووجه أوربان ثلاثة أسئلة إلى فلاديمير بوتين حول الصراع في أوكرانيا وحله المحتمل ، الأول يتعلق بخطط السلام القائمة بالفعل، وقد سأل أوربان الزعيم الروسي عن رأيه في هذه الوثائق ، ورد بوتين بالتأكيد على أن أي مفاوضات سلام لا يمكن أن تتم دون مشاركة جميع أطراف النزاع ، ووصف أوربان وجهة النظر هذه للقضية بأنها “منطقية تماما” ، كما وأكد بوتين أيضًا أن موسكو تدرس جميع خطط السلام المقترحة، وخاصة الخطة الصينية البرازيلية ، أما السؤال الثاني ، فكان عن ماهية فرص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين قبل إجراء مفاوضات سلام حقيقية ، وبحسب أوربان، رد فلاديمير بوتين بأنه غير متفائل بهذا الشأن ، في حين كان السؤال الثالث حول الرؤية أو الخطة التي قد تبدو عليها البنية الأمنية في أوروبا بعد انتهاء الصراع الأوكراني ، وبحسب السياسي المجري، رد بوتين بأن روسيا لديها فكرة مفصلة عما يجب أن يبدو عليه النظام الأمني ​​في المنطقة.
وبعد المفاوضات، أصدر بوتين وأوربان بيانا ، وقال بوتين إن روسيا ترى أن أوكرانيا ليست مستعدة للتخلي عن شن الحرب حتى النهاية ، وأشار الى إن موسكو تسمع من كييف إحجاماً عن حل القضايا عبر الحوار ، كما وأشار الرئيس الروسي إلى المقترحات التي سبق أن أعربت عنها روسيا بشأن التسوية السلمية، بما في ذلك الحاجة إلى سحب الجيش الأوكراني من مناطق دونباس وزابوروجيه و خيرسون ، علاوة على ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه مجرد هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار، وليس نوعًا من التوقف الذي يمكن لنظام كييف استخدامه لاستعادة الخسائر ، وإعادة تجميع صفوفه وإعادة التسلح ، وقال بوتين إن روسيا تؤيد النهاية الكاملة والنهائية للصراع.
وفي تلخيص رحلته إلى موسكو، قال أوربان إن الخطوة الأولى لإحلال السلام هي إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية وقنوات الاتصال، وهو ما حدث في موسكو ، إلى ذلك، قال أوربان إنه يعد لمفاجأة جديدة «صباح الاثنين» ، والتشديد على ان السلام لا يمكن أن يصنعه البيروقراطيون، لذا لا يمكن النظر إلى مسألة مفاوضات السلام من وجهة نظر بيروقراطية ، السلام برأيه لن يأتي من تلقاء نفسه ، فالخطوة الأولى هي استئناف العلاقات الدبلوماسية وإنشاء قناة اتصال ، “ وهذا بالضبط ما حدث خلال الاجتماع في موسكو” ، وقال أن الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً وسيحل السلام ، وبحسب أوربان، فإن موقفي موسكو وكييف “بعيدان جداً عن بعضهما البعض”، ومن الضروري “اتخاذ الكثير من الخطوات” من أجل تقريب نهاية الصراع ، وأكد رئيس الوزراء أنه يريد معرفة أي طريق لإنهاء المواجهة هو الأقصر ، وشدد على أنه بدون الدبلوماسية «لن نحقق السلام» ، وخصوصية هذا الاجتماع، في رأيه، هو أنه يعقد في وقت “تحتاج فيه أوروبا حقا إلى السلام”.

وبالتأكيد لم تكن الزيارة محط ترحيب الغرب ، وتسببت رحلة أوربان إلى موسكو برد فعل قوي في الغرب، حيث تم إدانة مثل هذا القرار من قبل رئيس الوزراء المجري بشكل لا لبس فيه ، وكما قال رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل، فإن الاتحاد الأوروبي يستبعد أي اتصالات رسمية مع الرئيس الروسي، وبالتالي لا يمكن لرئيس وزراء المجر أوربان، الذي يرأس مجلس الاتحاد الأوروبي، أن يمثل الاتحاد خلال رحلته إلى موسكو ، علاوة على ذلك، لم يحصل رئيس الوزراء المجري على تفويض من مجلس الاتحاد الأوروبي لزيارة موسكو ، وتحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بنفس الروح ، ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، زيارة أوربان بأنها “خاطئة”، وقالت إن “الاسترضاء لن يوقف روسيا” ، في حين عبر البيت الأبيض عن قلقه من زيارة اوربان الى موسكو .
بدوره، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إن أوربان أبلغ الحلف بزيارته ، وأضاف “أتوقع أن تكون هناك فرصة في القمة التي ستعقد في واشنطن الأسبوع المقبل لمناقشة المفاوضات التي أجراها في موسكو”، مضيفا أنه خلال زيارته لموسكو، مثل رئيس الوزراء المجري بلاده، “ولكن ليس الناتو ” ، وفي ألمانيا طالبوا حتى بحرمان المجر من رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي ، وإن حقيقة قيام أوربان بإساءة استخدام رئاسته لمجلس الاتحاد الأوروبي بشكل مخجل ، والذهاب إلى الكرملين دون تفويض هي فضيحة ، يقول مايكل روث، رئيس لجنة السياسة الخارجية في البوندستاغ: “إنها تقوض المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي”.
وعلى ما يبدو أن أوربان كان مستعداً لمثل هذا الوابل من الانتقادات من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لأنه مهتم في المقام الأول بحل مشاكل بلاده ، وهو يستخدم زيارته لروسيا للضغط على قيادة الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمنح الحقوق للهنغاريين في ترانسكارباثيا ، وبالإضافة إلى ذلك، سوف يبتز أوربان قيادات الاتحاد الأوروبي حتى يتوقفوا عن ممارسة الضغوط عليه من خلال صناديق التوحيد ، لأن بودابست تعرضت للتهديد منذ فترة طويلة بالتوقف عن تخصيص الأموال ، وبالمناسبة، ألمح المستشار الألماني أولاف شولتز، في سياق هذه الزيارة، إلى بعض “المشاكل المالية التي تواجهها كل دولة على حدة” والتي لن تؤثر على المساعدة المقدمة لأوكرانيا.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتزم أوربان رفع معدلات شعبيته الشخصية في أعين الأوروبيين ، من خلال تقديم نفسه كصانع للسلام ، وهذا أمر منطقي، لأن الصراع الأوكراني يفقد شعبيته بالنسبة لجزء كبير من المجتمع الأوروبي ، وبشكل عام، أوربان سياسي ماكر إلى حد ما ويريد الاستفادة القصوى من فرصة الحوار مع موسكو ، وإذا تمكن بالفعل من قيادة الصراع إلى وقف التصعيد، فسيكون ذلك مثاليًا تمامًا، وأنه في حال تقديم تنازلات من الاتحاد الأوروبي، فإن رئيس الوزراء المجري سيخفض “نشاطه في حفظ السلام” ، وفي الوقت نفسه فإن الضجة التي يشهدها الغرب توضح أن الاتحاد الأوروبي لا يحب هذا الابتزاز، ولا يوجد موقف مشترك داخل الاتحاد ذاته.
وليس هناك أدنى شك في أن الجميع في الغرب، كانوا على علم بنية رئيس الوزراء المجري الذهاب إلى موسكو، وهو ما يمكن ملاحظته في الاعتدال النسبي في رد فعل امين عام الناتو ستولتنبرغ ، ورغم إنه أقل رهابًا من روسيا قليلاً من فون دير لاين ، لكن هذا لن ينقذ أوربان من مشاكل محتملة – إذ يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يقطع دخل المجر من أمواله، كما يستطيع أن يفرض غرامات جديدة على سياسة بودابست في التعامل مع المهاجرين ، أي قد نشهد في المستقبل القريب مساومة وتبادلا بين الطرفين لذا فنحن على يقين من أوربان ووزيره سيارتو سوف يأتيان إلى موسكو عدة مرات لإثارة التساؤلات حول أوكرانيا ، لكن بالطبع، الشيء الرئيسي هنا هو موقف روسيا، الذي تمت صياغته بأكبر قدر ممكن من الوضوح.

 

أن أوربان أصبح نوعا من الشقي الفظيع بالنسبة للاتحاد الأوروبي ، ويعتقد ستانيسلاف تكاتشينكو، أستاذ قسم الدراسات الأوروبية في كلية العلاقات الدولية بجامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، أن أوربان في موسكو منخرط في المقام الأول في الدبلوماسية الشخصية و”يعبر عن موقف الجزء المحافظ من النخب الأوروبية” ، في وقت تبذل فون دير لاين وآخرين مثلها يبذلون قصارى جهدهم لتهميش الأجندة المحافظة ، لكن قيادة الاتحاد الأوروبي تواجه حقيقة أنها لا تستطيع قراءة نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي بشكل صحيح ، والآن بدأ الدعم من يمين الوسط يتحول ليس إلى يسار الوسط، بل إلى القوى السياسية مثل تلك الموجودة في بودابست ، وأن رئيس الوزراء المجري نفسه يعطيهم وزناً ، لذا فأنه على يقين من أنه وسيارتو سوف يأتيان إلى موسكو عدة مرات لإثارة التساؤلات حول أوكرانيا ، لكن بالطبع، الشيء الرئيسي هنا هو موقف روسيا، الذي تمت صياغته بأكبر قدر ممكن من الوضوح.