ألح علي الكثيرون مؤخرا لكي أكتب. وسألتهم عن ماذا أكتب؟ فلم يجبني أحد إجابة شافية، فقط يريدون مني أن أكتب. كنت في جلسة مع “ثلاثي مقدس” رجل أعمال ووزير وقيادي سياسي، الثلاثة طلبوا مني أن أكتب. وبشكل يومي في الصحف.
قلت لرجل الأعمال “يا سيدي قلمي ليس سيالا على غرار رأس مالكم الذي يحرز أرباحا يومية بالملايين”، وقلت للوزير “عافاك الله لديك في قطاعك ما يشغلك من منغصات غير كتاباتي السخيفة”. وقلت للقيادي السياسي “أنت تعرف أن الكاتب في هذا المجتمع كالسائر فوق حقل الألغام، لقد فشلتم أنتم في الانتخابات وأنا فشلت في الكتابات”.
رد علي رجال الأعمال، وبالنيابة عن جليسيه “طلبنا منك الكتابة ولم نطلب منك تسفيهنا”.
فكرت بحق، لماذا أكتب، ولمن أكتب، وإذا كان هؤلاء يجاملونني، أليس لدي بالفعل ما أقوله على غرار كل موطن في هذا البلد.
نحن نتكلم في وقت الصمت، ونصمت في وقت الكلام. الأمور دائما بالمقلوب. ولا يوجد هنا غير الأنصاف الفارغة من الكؤوس، الأنصاف الأخرى تم ابتلاعها، أو تغييبها لأسباب في نفس اليعاقيب.
لا أعتقد أن أحدا مثلي تطلب منه الكتابة إلا إذا كان “الطالب” يسعى لفتح نافورة من السخرية ليضحك علي بوصفي “كويتب” من الدرجة الثالثة تحت الصفر.
لكن لدي بحق أسئلة أطرحها على الكتاب الحقيقيين في هذا البلد. لماذا تغيب أقلامكم عن قضايا جوهرية تطرح الآن.
الجواب ليس بيدي. فأنا الذي أطرح السؤال.. هناك نخبة كبيرة من الكتاب المبدعين والمتنورين انسحبت إلى الخطوط الخلفية وتركت الفراش الكتابي لمجموعات من المبتدئين الذين “يتبولون على الفراش” ملوثين المكان العام، مشوهين الأرواح، وهم يشغلون خلوة المكان بالخالي من كل مفيد.
وحرصا على سلامة الكتابة، واستمرارية عطرها السريالي، من المهم أن يضع الكتاب السياسيون والاحترافيون أقلامهم في مواجهة القراء توعية وتثقيفا وحتى إمتاعا.
أما أنا الذي أعد نفسي من كتاب “وصل وغادر ويرجح، ويرى ويظن ويعتقد، وينكر، ويكشف” فلا مجال لي في ملء فراغ كبير من مستوى “انسحاب جماعي” عن جمهورية المقال .
إنني أكرر دائما “رحم الله من عرف قدره وجلس دوينه