رجل أمي يتكلم الانكليزية بطلاقة.. يحمل سمات إنسانية رائعة في المفاهيم والسلوك والتعامل.. خبير في تشييد خطوط نقل الطاقة الكهربائية وأبراجها وصيانتها.. موظف يحترم مسؤوليته تجاه ما تفرضه الوظيفة من التزام ومثابرة، فقد ساقه اليمنى جراء العمل وأثناءه.
عمل الراحل أوديشو يوخنا أوديشو بمعيتي في ثمانينيات القرن الماضي في كهرباء المنطقة الشمالية وبظروف عمل استثنائية، كان، حينها، مسؤولاً عن شعبة خطوط النقل.
قد يوجه سؤال إلى كاتب هذا المقال عن كيفية وصف هذا الرجل بالخبير وهو لا يجيد القراءة والكتابة (أمي)؟
هذا الرجل كان مفتاحا ً سحريًا في وضع الكثير من الحلول على وفق اقتراحاته العملية في معالجة حالة الاختناقات الحاصلة في خطوط نقل الطاقة الكهربائية للمنطقة الشمالية فهو الفني الوحيد، الذي كان على معرفة تامة ودقيقة بمواقع الاف الأبراج الحاملة لهذه الخطوط وأنواعها وأرقامها في عموم المنطقة الشمالية.
كان هذا جزءاً من خزائن ذاكرته، التي لا تخيب، في حديث لي معه عن سر هذا الالتصاق المهني بعالم خطوط نقل الكهرباء بالرغم من احتمالات تعرض العاملين فيه لمخاطر مختلفة غير محسوبة بالإضافة إلى الجهد البدني الكبير والمطلوب في أداء مهماته.
ثقة عالية غطت حديثه عندما أفاد بأن ذلك يعود لكون عمله في هذا المضمار
الهواية الأولى المفضلة له، كذلك هي مصدر رزقه الوحيد وعليه أن (يحلل راتبه).
أذكر، هنا، وفي خضم معالجة أحد الحوادث في توقف العمل لعديد من الخطوط المهمة في منظومة نقل الطاقة الكهربائية وما رافقه من عدم إمكانية فرق الصيانة القيام بأعمال الكشف على مسارات هذه الخطوط لتحديد مواقع الأعطال نتيجة لوجود أوكار للمسلحين قريباً منها قد يعرض العاملين لمخاطر تعرض هذه الأوكار لهم ، حضر هذا الخبير ووضع أمامي مقترحه المتضمن طلب الاستعانة بطيران الجيش باستخدام إحدى طائراته السمتية لتتبع مسارات الخطوط المتوقفة وتحديد أماكن الخلل فيها، وقد تم الأخذ بهذا المقترح فعلاً وأتى بنتائجه في سرعة تحديد التوقفات الحاصلة ومعالجتها، بعد تأمين مواقع العمل بقوات عسكرية داعمة.
في إحدى صولات العمل الميداني بداية الثمانينيات وفي إحدى المناطق النائية في شمالنا الحبيب وأثناء العمل في إصلاح قواعد الأبراج، التي طالها عمل تخريبي متعمد من قبل شلة متمردة عن القانون حدث انفجار قوي لعبوة ناسفة (لغم) كانت قد زرعت قرب هذه الأبراج لاصطياد الفرق العاملة في الصيانة لمنعهم من مواصلة العمل في الإصلاح وإعادة التيار الكهربائي إلى مرافق الحياة المختلفة، حيث كانت أولى خسائر هذا الانفجار هي إحدى ساقي الراحل أوديشو مما جعله مضطراً لاستخدام عصا تعينه في المشي بقدم واحدة ليقضي ما تبقى من خدمته في قطاع الكهرباء برفقة هذه العصا متحديا ً ما يمنعه من إداء واجباته المعهودة في ظروف هذه الإعاقة الدائمة.
لقد حظي هذا الرجل باحترام زملائه في العمل وتقدير جميع الإدارات المتعاقبة لقطاع الكهرباء تثمينا ًلما قدمه من جهود وتضحيات.