-1-
لا أكتمك سراً اذا قلتُ : اني وَلُوعٌ بتتبع كتب الأدب والتاريخ والتراث ،
وقد وجدتُ فيها من الأخبار والتجارب ..، ما زادني بصيرةً في الحياة ، وما شهدتْهُ مسيرةُ البشرية من عجائب ، ربما استعصى علينا أحيانا التصديق بها ..!!
-2-
ورغم انّ التاريخ قد كُتبَ لصالح الحكّام فجاء – في الغالب – مغموساً بحِبْر الانحياز لهم ، على حساب البائسين والمستضعفين والمظلومين على يدهم ، ولكنّه لم يخل بالكامل من اشارات تكفي لتعرية الهابطين..
-3-
والأُمويون – باستثناء عمر بن عبد العزيز – معروفون بنزعاتهم الدنيوية ، وبمسالكهم السلطوية ، ومسارتهم الموبوءة، لاسيما في قضايا الجنس ، والليالي الحمراء ، والشهوات المحمومة …
-4-
ومنذ ان قالها ” يزيد “
لعبتْ هاشم بالملك فلا
خَبَرٌ جاء ولا وَحْيٌ نَزَلْ
طفت على السطح ، مظاهر المروق عن الدين ، والاعتزاز بما كان شائعاً عند الجاهليين …
-5-
ولا ينبغي لأحد أنْ يُخدع بما سمّي (بالفتوحات) … لأنها كانت في الغالب من أجل توسيع رقعة المُلك ، والاستحواذ على الأموال والسبايا …
وجلب الحسناوات منهن الى قصور السلاطين … وانتقاء الغلمان لنفس الغاية …
انها قضية معروفة مفضوحة …
-6-
وجاء دور ” هشام بن عبد الملك ” فاعتلى كرسيّ الحكم، وتوّلاه من سنة 105 هجرية – 125 هجرية، وقد أقبلت عليه الدنيا أيما إقبال ، وكان لبعض بنيه أقبح الممارسات والأعمال …
-7-
كان ولده ” سعيد ” ولوعاً بالتعرض الى النساء .
ومن الواضح أنّ أهمّ واجبات الحاكم صيانة الأرواح والأعراض والأموال، ولكنّ ذلك لا محل له في الواقع الحياتي …!!
وقد يقال :
انّ فساد الابناء أخلاقياً ، قد لا يكون معلوماً من قبل آبائهم ، وبالتالي فأيّ ذنب لهم في ذلك ؟!!
فنقول :
لقد جاء النص ليثبّت عِلمَ (هشام) بما كان يصنعه ولده الشقيّ (سعيد)
جاء في كتاب نثّر الدر للآبي /ج3 ص44 مانصه :
” وكان سعيد بن هشام زانياً ، يتعرض للنساء ،
فَأُخْبِرَ بذلك أبوه ،
فقال له :
أيزني القرشيّ ؟
إنما مثلك يأخذ مال هذا ، ويُعطيه هذا ،
ويقتلُ هذا “
أرايت كيف يكون التهاون والبرود في قضية خطيرة تمس الأعراض ؟
انّ حب هشام لولده سعيد، منعه حتى من توبيخه، فضلاً عن القيام بما يلزم من اجراءات رادعة .
والسؤال الأن :
هل كان ” سعيد ” يُترك من دون مساءلة لو لم يكن ابناً للسلطان ..؟
ومن ” سعيد بن هشام ” الى الشقي المقبور (عديّ) الذي معروفاً بشدة تعرّضه للنساء ، يتواصل العبث من قبل أبناء القابضين على السلطة دون حساب ولا عقاب …
ولا تخلو المرحلة الراهنة من شواهد مرّة داكنة .
-8-
والغريب أنّ هشام اقتصر على التساؤل :
أيزني القرشيّ ؟
وفتح الباب واسعاً أمام ألوان من العدوان والطغيان يمارسها وَلَدُه سعيد..!!
والاّ فما معنى :
” يأخذ مال هذا ويعطيه هذا “
” ويقتلُ هذا “
اليس ذلك إغراءاً صريحاً له بمصادرة أموال الناس ، والتحكم بمصائرهم حدّ القتل والابادة ؟!
-9-
انّ المستبدين من الحكّام – قديما وحديثاً – يعتبرون أنفسهم وذويهم فوق القانون ، وفوق المساءلة والحساب ..!!
ومن هنا :
فانّ عملية الاقتراع لانتخاب ممثلي الشعب ، لابُدَّ أنْ تحظى بأكبر تدقيق لئلا يُبتلى بأمثال تلك النماذج المرعبة …
انّ أشد ألوان الغَبْن ، أنْ تغبن نفسك بنفسك عن طريق الاختيار البائس، المغموس بالدافع الطائفي أو المصلحي ، والبعيد عن مراعاة المواصفات الموضوعية التي لا يجوز التسامح بها بحال من الأحوال .