تمر علينا هذه الأيام ذكرى واقعة أحد والتي خسر فيها المسلون المعركة واستشهد بها قرابة السبعون صحابي من ضمنهم حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه, ولأهمية هذه المعركة في تشخيص كيان الأمة ومهام القائد فان الله تعالى قد أنزل على نبيّه ستين آية من سورة آل عمران في أحداث غزوة أُحد تبين وتشرح صورة المعركة وما دار في داخلها وأسباب الخسران وغيرها من الأمور مما هو موكول إلى محله وما سوف نتعرض إليه في بعض النقاط إن شاء الله تعالى, وقد بين سبحانه تعالى في بعض تلك الآيات الحالة المأساوية التي مر بها المسلمون قال تعالى : (إِنّ الّذين تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ إِنَّما استَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعضِ ما كَسَبُوا) وقوله أيضاً:( إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) إلى آخر السور التي نزلت.
ولو رجعنا إلى تلك الأسباب التي أدت إلى خسارة جيش المسلمين في هذه المعركة مع إن فيهم رسول الله صلى الله عليه واله لوجدناها ترتكز على عدة أسباب مهمة وهي:
أولاً: مشاورة النبي (ص) لقومه في كيفية المعركة واختيار الأرض والآلية المناسبة, مما أدى إلى اعتراض البعض من صحابة النبي على من قال بان المعركة لابد أن تكون خارج المدينة مع ان الرسول (ص) قد تبنى هذا المقترح ولكنهم رفضوا ذلك, فهم تمسكوا بقوله تعالى (وَأَمْرهمْ شورَى بَيْنهمْ)!!. ونسوا قوله تعالى (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) وقوله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً).
ثانياً: تواجد المنافون في سلطة القرار بحيث إن عدد الذين تخلوا عن الذهاب مع الرسول (ص) تجاوز الثلاثة ألآلف مقاتل, وهذا العدد يجعل كل من يدافع عن نظرية عدالة الصحابة في مأزق كبير.
ثالثاً: ظن السوء الذي لحق بالذين تخلوا عن مواضعهم وأماكنهم التي وضعهم الرسول فيها فضن البعض منهم إن الرسول سوف ينساهم من الغنائم ويتخلى عنهم, بل ان البعض منهم اتهم الرسول بالخيانة بذلك قال تعالى (وما كان لنبي إن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة).
رابعاً: ضعف العقيدة والإيمان لدى البعض بمجرد إن يسمع بفقدان القائد فانه لا يبحث عن البديل الشرعي والقائد المتمم للمسيرة, بل يرد على عقبيه ويخسر الدنيا والآخرة, ولذلك ترى البعض منهم لما سمع خبر استشهاد الرسول (ص) فكر بان يلتحق مع اليهود وأخر أراد أن يلتحق مع النصارى وهكذا تخلل الجيش, قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) وقوله تعالى(وطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِليَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيء قُل إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ).
وقوله تعالى(وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِل انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيئاً وَسَيَجْزي اللّهُ الشّاكِرينَ) وقد ثبت بالإجماع إن وقت نزول هذه الآية كان يوم أحد فلا شك ولا ريب ان الخطاب فيها موجهٌ إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين فروا وانقلبوا منهزمين والذين كان منهم أغلب الصحابة البارزين وغيرهم. كما ذكر الواقدي في المغازي وابن أبي الحديد في شرحه وابن سعد في طبقاته وابن كثير في سيرته.
وعن ابن عباس، انه قال :”إن” لعلي أربع خصال، هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (أي يوم أحد)، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره.
خامساً: دور الإعلام المعادي وما تفعله الشائعات والأكاذيب في المعارك وغيرها فإننا نجد اليوم إن للإعلام الدور الهام في قلب الموازين وصعود نجم وأفول أخر كله بيد الإعلام فعندما نادى إبليس على لسان احد المشركين كما في تعبير الروايات بان النبي قتل اختل الجيش ولاذ المسلمون بالفرار والرسول يدعوهم فلم يستجيب له أحد.
سادساً: رفع اليد الغيبية عنهم في المعركة من قبل الحق سبحانه لاختبارهم ومعرفة من كان صادق الإيمان أو كان كاذبا أو منافقاً منهم.
سابعاً: توقف صلاحية القائد في حالة تخلي الأمة عن الطاعة والامتثال لأوامره ونواهيه وما يراه من مصلحة معينة في كل قضية دينية أو سياسية أو عسكرية وغيرها مما هو اخبر بها واعلم منا بالتأكيد فان الواجب علينا هو الطاعة دائما وأبداً وإلا فانه سوف تنعكس النتائج سلباً على المجتمع بصورة عامة.
هذه النقاط وغيرها هي التي كانت السبب الرئيسي في انتكاسة المسلمين في معركة أحد, بالحذر من الوقوع في هذه الأخطاء في تجربتنا الدينية مع القيادة الحقيقة فما نحتاجه هو مراقبة النفس ومحاسبتها دائماً وابدأ وان لا نغفل عنها ونترك لها العنان فإنها تقودنا إلى التهلكة.