17 نوفمبر، 2024 1:32 م
Search
Close this search box.

أهل الدار..

بدعوة من سعادة السفير العراقي د. صالح التميمي، اجتمعنا مع السيد محمّد الحلبوصي الذي يترأس وفد من البرلمانيين في زيارة للمملكة المتحدة، وكأي لقاء بين العراقيين ومسؤوليهم ضجَّتْ القاعة بالأسئلة المشروعة حول الفساد والتوافق والسرقات الجماعية والتزوير الذي وصل إلى قاعة البرلمان.

ما استوقفني فعلاً من حديث الحلبوصي في ردّه على أسئلة الحاضرين، قال أعطوني سياسي من لندن أو من عاصمة أخرى عمل مسؤولاً في الدولة العراقية خلال الفترة الماضية اشترى أو بنى بيتاً في العراق، قال أعطوني أي اسم، صمتت القاعة ولم يرد أحد.

هؤلاء يذهبون للعراق وفي نيتهم العودة، لذلك يشترون بيوتهم خارج العراق، للأسف هذه هي الحقيقة.

من لا يُريد أنْ يضحي بوضعه ورفاهيته في الغرب لصالح وطنه لا يستحق أنْ يقود العراقيين أو يمثلهم،

من لا يشارك العراقيين في أمنهم وظروفهم، ومن لا يأخذ أبنائه ليدرسوا في مدارس العراق المُتعبة ويتطببوا في مستشفياتها المهملة ويتحملوا قلة المرافق الترفيهية وانقطاع الكهرباء وازدحام الطرق وسوء الوضع الأمني، لا يستحق أنْ يحكم العراقيين أو يمثلهم،

هذا لا يَعني أن سياسيي الداخل نزهاء ورجال دولة، لأنّهم لا يقلّون فساداً عن أقرانهم في الخارج وشاركوهم في حصن الخضراء،

ولا يوجد فرق بين سارق من الخارج وسارق من الداخل كلاهما واحد، فالأعمّ الأغلب من سياسيي الداخل ما أنْ تنتهي ولايته في البرلمان أو يكون وزير سابق أو مستشار سابق حتّى يصبح العراق ليس بمستواه ولا يَفي بمتطلباته، فيشتري فيلا لعائلته في دبي أو عمان أو لبنان أو طهران، حيث الخدمات والأمن والكهرباء والمدارس المرفهة،

هذه الحالة لا توجد في كردستان، حيث عاد أغلبية السياسيين الكُرد مع عوائلهم إلى كردستان بعد التغيير، واشتروا بيوت في الأحياء العامة وسط الناس، لم يسكنوا في أملاك الدولة وليس لديهم منطقة خضراء.

شاركوا المواطنين أمنهم وظروفهم، لذلك تطورت كردستان وحُفِظَ أمنها وبُنيَّت مدارسها ومستشفياتها وشوارعها، أصبح السياسي الكردي يعتبر كردستان بيته، فأخذ يستثمر سرقاته من بغداد ليعمر بيته، ويستغل أي منحة أو قرض من المؤسسات الدولية لبناء الإقليم، استجلب الاستثمارات في مجال الطاقة والسياحة والبُنى التحتية ليعمر الدار التي يسكنها، لذلك لا تجد أحد في كردستان يتحدث عن كرد الخارج والداخل.

على العراقيين أنْ يبحثوا عن أهل الدار، هذه الحقيقة يجب أنْ نقرُّ بها ونقولها بضمير وطني مخلص،

وعليهم أنْ يعملوا على تغيير النظام السياسي الذي حول السلطة من خدمة الناس إلى مغانم ومكاسب وسرقات،

ولن يُصْلح هذا النظام إلا بتغيير قانون الانتخابات وتحويل البلد إلى 325 دائرة انتخابية،

بمعنى آخر بغداد لديها 68 مقعد، حصة أهالي الحرية منها مقعد واحد، ولا يُقبل أنْ يأتي أحدهم من لندن أو من عمان أو من طهران لينافس أبناء المدينة على تمثيلهم،

من يريد ذلك عليه أنْ يعود إلى الحرية مع عائلته ويسكن وسط الناس ويعمل لخدمتهم لسنوات حتّى يثقوا به وينتخبوه،

أمريكا وإيران والسعودية وأتباعهم من الحاكمين لا يريدوا لقانون الانتخابات هذا (الدوائر المتعددة) أنْ يشرَّع بالعراق، لأنّه سيخلق سياسيين حقيقيين مرتبطين بمدنهم وشعبهم ولا تصعِّدهُم الأحزاب بالتزكية ولا يخضعون لدعم الخارج وابتزازه،

لذلك الإصلاح يبدأ من تغيير قانون الانتخابات لكي يتمكن أهل الدار من حكم أنفسهم.

أحدث المقالات