22 نوفمبر، 2024 8:13 م
Search
Close this search box.

أهل البيت في القرآن لا يشمل علي بن أبي طالب وفاطمة وذريتهما

أهل البيت في القرآن لا يشمل علي بن أبي طالب وفاطمة وذريتهما

تم التلاعب بتفسير القرآن وأسباب نزوله منذ عهد الخلفاء الراشدين، وترسخت قواعد اللعبة أكثر مع ظهور دولة الأمويين ومن ثم العباسين وإلى يومنا هذا. واستندت قواعد اللعبة أكثر ما يكون على التلاعب بالحديث وبرواية الحديث وأبعادها. وهذا ليس بغريب، لأنه حتى مع وجود النبي، فإن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رفض أمر النبي المباشر حين أراد كتابة الوصية في الواقعة الشهيرة التي سميت برزية يوم الخميس (أي مصيبة يوم الخميس). وحينها، قال عمر “إن النبي غلبه الوجع وحسبنا كتاب الله” وفي رواية يقول “إن النبي ليهجر حسبنا كتاب الله”. حين كان النبي حياً، كان يؤكد بإستمرار على التمسك بكتاب الله وسنته وبكتاب الله وبأهل بيته. وفي هذا التأكيد المكرر، أراد النبي أن يضع السنة وأهل بيته في كفة واحدة مقابل كفة القرآن، وهو معناه أن التمسك بأحدهما يعني التمسك بالآخر كتحصيل حاصل. وبشكل أدق يعني هذا أن التمسك بأهل البيت هو تمسك بالسنة النبوية، والعكس صحيح. لكن هذه المرجعية ضُربت في الصميم بعد الإنقسام الذي وقع يوم الخميس، حيث نشأت معارضة صريحة أمام التأكيد النبوي المذكور، وتوجت هذه المعارضة بصعود خاطف نحو سدة السلطة، في الإنقلاب الذي حدث يوم السقيفة، حيث تم إقصاء أهل البيت ووضعهم تحت ما يمكن تسميته بالإقامة الجبرية، وتحت المراقبة وحجز على الأملاك، ومداهمة أمنية لبيت أهل النبي أمام أنظار الجميع. وهذا السياق لخصه عمر بن الخطاب بقوله الشهير “خلافة أبي بكر كانت فلتة وقانا الله شرها”.

من الآيات التي تم التلاعب بمعناها الصحيح، هو آية التطهير وهي الآية 33 من سورة الأحزاب. فبعض التيارات المحسوبة على أهل السنة، مثل الوهابية والمبجلين لبني أمية، يستميتون في إثبات أن هذه الآية تعني نساء النبي حصرا وأن لا علاقة لعلي بن أبي طالب وفاطمة وذريتهما بها. ومن ضمن ما يستدل به هؤلاء، على نفي إشتمال الآية لأهل البيت (فاطمة وعلي وأبنائهما)، هو ما قاله عكرمة (مولى إبن عباس) وكان من الخوارج ويمشي في الأسواق يصيح بالناس أن الآية نزلت في نساء النبي وليس في فاطمة وعلي. والغريب أن الجيل المعاصر لعكرمة (ولد في عام 25 للهجرة ومات في عام 105) كان على دراية بسبب نزول الآية، لذلك يبدو أنه كان مدفوعا من جهات معينة، ليذهب ويعلن غير ما هو مشاع بين المسلمين في ما يتصل بتفسير هذه الآية. وهذا الرجل كان معروفا بوضعه للحديث، حسب رواية إبن عمر حيث قال لنافع “لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على إبن عباس”. والأغرب، إن هؤلاء إذْ يتجاهلون حديث الكساء في تفسير الآية، ويحاولون يائسين لإضعافه وحذفه، يستدلون بحديث عكرمة الذي هو شخص مطعون في نزاهته وصدقه! ويعني هذا ضمنا رد حديث النبي في الكساء بحديث عكرمة!

هناك إتجاه قوي، من بين الذين يعتبرون أنهم من أهل الحديث! يريد حذف كل حديث ورواية تتصل بهذه الآية، ويكتفي بكل سذاجة بسياق الآية وتفسير سطحي له، نافيا أي علاقة لأي حديث به. وهذا العمل لو قام به أحد في أي مقام يتصل بالحديث النبوي لكفروه على الملأ. وقبل الإشارة إلى الشرح الصحيح لهذه الآية، من المفيد تقديم تعريف عن مصطلح أهل البيت. أهل البيت مصطلح يتضمن ثلاث مستويات متباينة ومتداخلة، منها ما هو عام ومنها ما هو خاص. المستوى الأول هو أهل بيت النبي خاصة، كأهل بيت أي شخص عبر التأريخ، ويشمل النساء والأولاد. المستوى الثاني ويشمل من يتبعون النبي عقائديا ودينيا، وهم آل النبي كقوله (سلمان مني أهل البيت). وهذا المستوى مشروط بحسن الإتباع للنبي، ومن الممكن دخول أي شخص مؤمن صالح في دائرته. المستوى الثالث وهو خاص ضمن خاص، لسبب حصري ومباشر يتصل بأساس عظيم من أساسَين للدين، وهما كتاب الله وسنته. وفي هذا السياق، قام النبي بوضع كساء على فاطمة (سيدة نساء العالمين) وعلي بن أبي طالب (وصيه وخليفته من بعده) وأولادهما، ثم أطلق مصطلحه التخصيصي عليهم “اللهم هؤلاء أهل بيتي”. وهذا المصطلح حصري للمشمولين بركن من الركنين المذكورين (كتاب الله وسنتي من بعدي)، وهو ركن أكد عليه النبي بصيغتين مختلفتين أكثر من مرة، وهما صيغة (كتاب الله وعترتي من بعدي) و (كتاب الله وسنتي من بعدي). هنا يأتي السؤال: وماذا عن نساء النبي، هل تشملهم الآية المذكورة؟ الجواب بكل بساطة هو نعم، الآية تشملهم، ولكن ليس بالمفهوم المذكور المتصل بالركنين كتاب الله وعترتي/ سنتي، بل كمفهوم يحتوي على التوقير و رفع المكانة بشروط مذكورة في سياق الآية وهي عدم التبرج وكذلك أن يقرن في بيوتهن. وهذا الأمر إن تحقق، ستنال نساء النبي مرتبة الطهارة والعفة التي ينبغي أن يحصلن عليها ويبلغنها، نظرا لما يشغلنه من مكانة حساسة وخطيرة تستدعي مجاهدة كبيرة، لإستحقاق شرف الإنتساب لأهل بيت النبي. ولكن هذه المكانة غير مشمولة بالمعنى العقائدي المذكور في الآية والتي تخص فاطمة وعلي وذريتهما، وهي تطهيرهم من الرجس ليكونوا النموذج الأنقى والأرقى لحمل الرسالة، وليتحولوا إلى حُجج خالية من الشوائب نظرا لما يتطلبه الركن الأساس في الدين (العترة/ السنة)، مقابل الركن الآخر وهو ركن الكتاب أي القرآن. وهذان جناحان للإسلام وبدونهما يختل التوازن ويحدث الإنحراف. ومن براهين ودلائل الآية هو واقع المشمولين الحصريين بالآية، وهم فاطمة وعلي وأولادهما. إن كتب التأريخ والسِيَر والأحاديث تخلو من ذكر أي خطأ أو شائبة لهؤلاء المذكورين في حديث الكساء. بل إن كتب التأريخ لم تقدم لنا أي خطأ أو شائبة تنسب إلى ذرية أهل الكساء، مثل السجاد زين العابدين و وولده محمد الباقر وحفيده جعفر الصادق الخ. إذن، من الممكن أن تنال نساء النبي مكانة التطهير، كمكانة للعفة والطهارة والصلاح، للفوز يوم الآخرة، ولكنهن لسن مشمولات بمعنى الآية على صعيد كونهن جزءا من الركن الأساس للركنين المذكورين (كتاب الله وعترتي/ سنتي). ولكنهم جميعا (النساء و الأولاد ومن ضمنهم فاطمة وعلي) يعتبرون من أهل البيت، كمفهوم عائلي، كما هو الحال بالنسبة لأي شخص في هذه الدنيا.

لذلك، فإن الصرخات التي تظهر منذ فترة هنا وهناك، لتثبت أن آية التطهير تشمل نساء النبي فقط، وأنها لا تشمل أهل الكساء، متجاهلة الأحاديث والروايات، فهي صرخات يائسة جاهلة ومتجذرة في الجاهلية الأولى التي نصبت العداء للإسلام والنبي وأهل بيته. بل وهذه الجاهلية ركبت الدين بعدما عجزت أن تقضي عليه في الحروب والمعارك التي شنتها ضد الإسلام، فتسربت إلى داخل الإسلام والسلطة فلعبت بالنصوص والسياقات، فاستعملت القرآن في المكان الذي ارتأت أن تستعمل القرآن واستعملت الحديث في الوقت الذي تطلب الأمر إستعمال الحديث، والمرام كان واحدا، ضرب أهل بيت النبي والتقليل من شأنهم، ودفعهم خارج دائرة النفوذ والمهمة الدينية وهي كونهم أعلى البشر مرتبة على الإطلاق، لتقواهم وورعهم وعلمهم وحلمهم وسماحتهم. وتأريخهم خير شاهد على ذلك.

أحدث المقالات