23 ديسمبر، 2024 6:19 ص

أهلاً بظلم ذوي القــُربى ….!!

أهلاً بظلم ذوي القــُربى ….!!

آثرتُ خوض غمار الكتابة مـُجبراً لأسباب لعل ما يُمكنني ذكره منها هو تبيان حقائق ووقائع واضحة لكل ذي عينين لكن يبدو أن البعض لا يريد أن يـُبصر ؛ فهم بحاجة لصعقات توقضهم من أحلامهم الخيالية التي نسجها لهم من يتربص بهم الدوائر و هم على حين غرة منها …

والذي دفعني لهذا المقال ، هو أنني لاحظت وجود تيار في أوساط مجتمعنا يحاول أن يثير الغبار و الضوضاء بالأسلوب الغوغائي حول مواقف سماحة السيّد الصدر (دام ظلّه)  بحجة أنها غير مألوفة لديه ، فهو بمجرد أن يطرق سمعه موقف ما – أيّ موقف كان – يقذف سماحته بالإستحسان و القياس من دون أن يتتبع و يتثبت .

هذا بالإضافة إلى دخول أجهزة المخابرات المركزية على الخط حيث رفعت راية الدفاع عن أهل البيت (ع) و مذهبهم في آخر الزمان و أصبحت تزايد حتى على علماء الشيعة و رموزهم و أئمة أهل البيت (ع) أنفسهم .

و من الظريف في هذا المجال أن أحدهم كان يستنكر على سماحة السيّد الصدر قبل أيام قائلاً أنه أتى بما لم يأتِ بـه السابقون و المتأخرون من مواقف و تصريحات ، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت ، و أن تفضح فإفتضحت  ، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه و لا مرتباً بيقينه     

و في الواقع أن هذا التيار ليس وليد هذه الفترة الزمنية المعاصرة – وإن كان بدأ ينمو أخيراً – فهناك جماعة من المعاصرين لشيخ الطائفة ( الطوسي ) رضوان الله تعالى عليه ممن كانوا يثيرون الضجيج حول كل شيء لم يألفوه ، على قاعدة : لكل إمرئٍ من دهره ما تعوّدا .

كما تعرض رئيس المذهب الشيخ الصدوق (رض) لحملات ظالمة من هؤلاء الذين تطاولوا على ساحته الشريفة ، بل وصل الأمر بالبعض إلى تفسيق أقطاب المذهب ، بل إن البعض صدر منه ما هو أشنع من ذلك ، حيث كفر الأكثرية الساحقة من علمائنا الأجلاء لأنهم يقولون بطهارة المسلمين ، فكيف بمن يطالب بحقوقهم و يُناصرهم في مطالبهم و تظاهراتهم و يقول كلمة الحق فيهم ؟ !!

و لستُ هنا في مقام توجيه حفنة من الشتائم و الإتهامات لهذه الفئة ، فليس ذلك من دأب البحث العلمي الموضوعي ، و لكنني في مقام عرض بعض الخلفيات و الأسس و السمات التي تظهر جلياً على هذه الفئة .

فمن الواضح أن الصفة الرئيسية التي تميّز هذا الإتجاه هي التظاهر بالقداسة و التباكي على مكتسبات المذهب ، و هذا ما عبّر عنه جلياً السيّد الإمام الخُميني (رض) حينما وصف هذا الإتجاه بقوله : ( إن بعض الرجعيين المتظاهرين بالقدسية يعتبرون كل شيء حراماً ) .

و لعل هذا الوصف الذي أطلقه السيّد الخميني (رض) يمثل أدق وصف يلقي الضوء على هذا الإتجاه و المنحى المتحجر و الذي يرفض النقاش العلمي الهادئ و يفضّل لغة التسقيط و التشهير و الشتائم و القذف بالخروج من الدين أو المذهب من دون أية قدرة على الجدال و النقاش العلمي المتوازن .

وهو في الوقت ذاته متظاهرٌ بالقداسة لأنه يريد أن يوحي للناس بأنه يمثل الإتجاه الذي يريد الحفاظ على الإسلام و حماية الحدود و الأحكام و المواقف من الإنحراف ناسياً أو متناسياً حرية الحراك الفكري ما دام لم يخرج عن دائرة الإيمان بأصول الدين و فروعه و العمل بهما .

و في التأريخ شواهد على هذه الحالة ؛ فكم من المؤمنين المخلصين و المجاهدين وقفوا بوجه القوى الجائرة الظالمة و جندوا قواهم لإحياء الدين ، و كم من العلماء و المتنورين من طلاب الحقيقة هبوا لمحاربة الخرافات و العادات المنبوذة و النظرات الضيقة التي أقصت الدين عن الحياة و عطلّت قدراته ، لكنهم وجدوا أنفسهم بسبب إبلائهم في الدفاع عن الحق ، محل تفسيق الجهلة المتنسكين أو أدعياء العلم من عملاء القوى الشيطانية .

ثم إن هؤلاء في الوقت الذي نراهم يتظاهرون بالقداسة يمارسون أبشع أنواع المحرمات و هو التهجم على العلماء و القادة العدول الأتقياء – خاصة المجاهدين منهم – و محاولة التسقيط و البهتان و التشهير ، و لا حاجة لذكر أسماءهم فهم مجرد صبية أُلبسوا قطعة قماش سوداء أو قطعة قماش بيضاء كما عبّر عنهم أحد كبار محققي علمائنا المعاصرين .

و مما يؤكد أن عقدة الإستغراب و التهويل لديهم ليست منطلقة من أسس عقلائية و إنما من عوامل نفسية هو أن هؤلاء لا يتعرضون لمن يؤمنون بأحقية إتباعه دينياً و سياسياً بالإنتقاد مع أن لكل واحد منهم آراء يتفرد بها و لكنهم إذا لاحظوا قائداً كبيراً أو رمزاً دينياً أو زعيماً سياسياً تجمعت له بعض هذه الآراء تعرضوا له ، مع أن المبدأ واحد ، و الحاصل أن هذه المواقف إذا لم تكن خطأً فلا يضر لو إجتمع بعضها لدى هذا الرمز أو ذاك الزعيم و القائد ، و هل أن تفريقها بين الرموز و القادة يجعل الخطأ صواباً ؟ !

و مما يؤكد صحة المنهج الذي إتبعه السيّد الصدر (حفظهُ الله) في مواقفه و آرائه هو تطابقها مع الكثير من مواقف و آراء علمائنا الأعلام السابقين و اللاحقين ، بل مطابقتها لما ورد عن أئمة أهل البيت (ع) من تعليمات و إرشادات وجهوا بها أتباعهم و محبيهم ، و سأقتصر على ما قرأته في الجزء الثاني من كتاب أصول الكافي ، عن هشام الكندي قال : سمعتُ أبا عبْد الله (ع) يقول : (( إياكم أنْ تـعْمَلوا عَمَلاً يُعَيِّرونا به ، فإنَّ ولَد السوْء يُعيِّرُ والدهُ بعَمَله ، كُونوا لِمَن إنقَطَعْتُم إليه زَيْناً و لا تَكُونوا عَليْه شَيْناً ، صَلُّوا في عَشائِرهِمْ ، و عُودُوا مَرْضاهُمْ ، و إشْهَدُوا جَنائِزهُمْ ، و لا يَسْبقونَكُمْ إلى شَيْءٍ مِنَ الخَيْر فأنْتُمْ أوْلى به مِنْهُمْ )) .

و لكن وبعد كل هذا ، نؤكد أننا لم نتأثر بشيء و لم نتألم على آخر بقدر ما آلمنا تعرض ذوى القربى لنا من إتهام و تشكيك و تخوين فضلاً عن الإنتقاد الجارح الهدّام لا البّناء ، و بشتى أنواعه و صنوفه ، حيث لم نُحمل على محمل حَسن من العالم منهم قبل الجاهل ، و لا أقصد بالعالم ( مراجع الدين الأعلام ) بل أقصد من إرتدى العمة و هو لا يزال في بواكير مشواره العلمي لكني أطلق عليه بـ ( العالم ) لأنه لا كعوام الناس ، و لأنه يملك شيئاً من العلم ، يستطيع معه قراءة المواقف جيداً قبل إطلاق ما أطلق من كلمات جارحات ، تبتعد عن الورع و التقوى و كل مفاهيم الأخلاق التي يدرسونها في ( مكارم الأخلاق ) و ( جامع السعادات ) و ( مقامات القلب ) و غير ذلك من كتب الأخلاق ، بـُعد السماء عن الأرض .

و أختم قائلاً : و لعلّي هنا أتجاوز حدي و قــَدري و ليس لي ذلك لأنه من إختصاص قيادة الخط الشريف و على رأسها سماحة السيّد القائد الصـَّـــدر ( دامت إفاضاته ) و لكنه من باب الإيضاح لمن لهم قلوب لا يفقهون بها – إننا كنا على بيّنة من أمرنا  فيما قلنا و أبدينا من مواقف و آراء في الخط الصدري المـُبارك فيما يخص الأحداث الأخيرة في العراق و خارجه ، و هذه البيّنة كانت دينية و شرعية قبل أن تكون سياسية ، و إذا قدّر الله تعالى أن يتمتع هؤلاء المنتقدون ببعض العلم و الموضوعية في الحوار ووفق الدليل و البرهان ، فنحن جاهزون دوماً لئن نبيّن لهم طبيعة مواقفنا و على أيّ حجة إستندت و على أيّ برهان قامت ، و سنصبح و تصبحون ، إن موعدنا الصُبح ، أليس الصُبح بقريب ؟ و في هذا كفاية لمن له من الله هداية .