23 ديسمبر، 2024 4:08 م

أنه عراقنا حيث الحسين والمسيح والكيلانيً!

أنه عراقنا حيث الحسين والمسيح والكيلانيً!

الضياء الذي ينبعث من هذه الأسماء ليس من باب الصدفة، وإنما ظل ساطعاً دائمياً، لدرجة أن الظلام لم يكن بإستطاعته أبداً التغلب عليه، لان كل كلمة كن ينطقن بها، كانت تبني إنساناً على المدى البعيد، وكل سطر يكتبنه يخلق لتلاميذهن قيماً، أصبحت مكوننا الأساسي في التعامل مع الحياة، بأفراحها وأحزانها.
إختيار الكلام أصعب من تأليفه، كلمات أربع قرأتها لإبن عبد ربه في كتابه العقد الفريد، فوجدت أن عنوانه يصلح وصفاً لمعلماتي، اللاتي أبدعن في صناعة جيل لم ولن يتكرر، وعلى عكس مرضى الشهرة الطارئة، بقيت هذه الأسماء محفورة في الذاكرة خالدة خلود الزمن، لأن بطلات العمل التربوي مشغولات ببناء الأجيال.
السيدة مريم مديرة مدرسة الأطلال سابقاً (زهرة المدائن حالياً)، التي كانت بيتي الثاني لتلقي المعارف والعلوم، فقد تلقفت هذه المربية المسيحية العملاقة، عقولنا الفتية لبناء جيل عراقي واع آنذاك، ومن حينها أدركت، ان المجتمع تبنيه سواعد مسيحية، وسنية وشيعية، علوية وعامية، عربية وكردية، مع الإشارة الى عدم إنتشار هذه المسميات وقتها.
 الست يسرى السامرائي معلمة اللغة العربية، قادني عملي الأخير في مدرسة الثقافة الإبتدائية، الى أن ألتقيها مجدداً، بعد فراق لأكثر من ثلاثين عاماً، وشاءت الأقدار أن أكون معلمة لغة عربية معها، في نفس المدرسة، وقد أثار دهشتي ترتيب السبورة وخطها الإسطوري، الذي كنت مغرمة به، أيام دراستي في زهرة المدائن.
تغير ت طريقة التعامل معها، منذ معرفتي بالخبر السار، وسماعي بأن معلمة اللغة الإنكليزية، الست زينب الحسيني، التي كانت تربطهما علاقة قوية، بأنها ما زالت تمارس عملها التربوي الفذ، فأي زمن رائع جمعني بالروائع؟، وأي عقد فريد صاغني بعد أربعين عاماً، بدأت أشعر بثماره، عندما أقدمت على كتابة فن المقالة.
سنوات القمع، والحروب، والحصار، وعرس الديمقراطية المزيف، أخذت ما أخذت من حياة هؤلاء البناة الثلاثة، رغم أني لم ألتق إلا بإحداهن، ولكنهم كلما أرتفعوا تكاثفت حولهم الأفئدة والعقول، في حوار واسع ممتع، مشرق وعميق، عمق الفضائل التي زرعنها، في نفوسنا حينذاك، وحملناها بين أضلعنا فرحين، فالخالق لا يضيع أجر المحسنين.
معلمات أخرجن الخلق الرفيع من مخابئه، فرسمن خطوطاً وضاءة، ليدون ولادة عصر الشريعة والشرعية، ضد الطاغية، وحق الفتيات في التعليم، وأخذت الملائكة على عاتقها إكمال هذه اللوحة العظمية، فكتبن بأحرف من نور: (على الإنسان أن يصنع الخير، لليوم وللغد، وما بعد الغد، فإنه عراق الحسين والمسيح والكيلاني)، إنه عراقنا العظيم!.