23 ديسمبر، 2024 4:06 ص

أنقرة الخضراء ،، فهل من مستبصر

أنقرة الخضراء ،، فهل من مستبصر

عندما كانت كل اصقاع تركيا خضراء وماء الا انقرة لانها جبل صلد جليدي في الشتاء رياحي في الخريف مشمس في الصيف ، راى ابناء انقرة انهم مظلومون “طبيعيا” عن أبناء جلدتهم كظلم اسمهم كعاصمة منسية ، فالشهرة لإسطنبول والخضرة لبورصا ومناطق الضباب المطيرة لكرادنيز “البحر الاسود” والبلاجات لأزمير و لأنطاليا والقرى التي تعلو الجبال الخضراء كالجنان لسابانجا وإيدير والبحيرات لبولو والغابات لمرسين و آكدنيز “البحر المتوسط” ومناطق بحر إيجه لها المحميات الطبيعية و و ، إلا انقرة فلا بحر ولا غابة ولا بحيرة ولا أي شيء ، سوى صخور جبلية اختيرت عاصمة سياسية لأنها تشبه القلعة الكبيرة ولتوسطها النسبي بين الأقاليم ، ولكن الغيرة بل العقدة التي اصابت سكانها المضطرين للنزوح اليها مع السنين- بحكم العمل والوظيفة والتوسع الحضاري والعمران -هو خلوّها من الطبيعة الجميلة التي اعتاد عليها المواطنون النازحون من الولايات التي ذكرنا آنفا ، وكذلك الحرمان الذي يعيشه سكانها الاصليون والتفاوت الكبير مع غيرها من المدن والولايات في الجمال الصيفي والربيعي ،
لم يستسلم ابناء انقرة لهذا ورفضوا فكرة ان يصطافوا كل حين في ولاية بعيدة ليروا الخضرة والماء ، وماذا عن حياتهم اليومية التي يجبرون فيها على البقاء في مدينتهم لشهور ، وماذا بعد انقشاع ثلوج الشتاء القارص الذي يستمر ستة شهور وحلول الشمس الجبلية اللاهبة ، فبدأوا بأغرب شيء عملته مدينة صخرية في العالم ، بدؤوا بالزراعة في كل ساحة وكل زقاق وحول المدينة وفي الشوارع وحتى على الجدران ،
جاؤوا بالأشجار والورود والحشائش من كل صنف ومن كل مكان ، فأنشؤوا في انقرة حتى يومنا هذا 60 غابة متوزعة على وديان واطراف المدينة فتحس وكأنك في قرى البحر الاسود في الشمال ، وحفروا سبع بحيرات اصطناعية كبرى متباعدة بين زوايا المدينة ومن حولهن الخضرة والطيور المائية والبرية وبنيت فيها المنتجعات حتى تظن انك في اسبارطه التي في الطرف الجنوبي من تركيا ، واستحدثوا الشلالات والمنحدرات المائية على التلال وكأنك في بورصا ، وبنوا الباركات الوطنية الكبرى واقاموا في كل حي بارك متزاحم الشجر والورود والنباتات يتيه فيه المتجول ، وتجاوز عدد الحدائق الصغيرة والباركات الجانبية في انقرة الألفي مكان فضلا عن الخمس باركات الكبرى التي تتجول خلالها بالطائرات الشراعية والسيارات ، فانت لا تسير بضع خطوات في شوارع انقرة متجاوزا حديقة جميلة مزهرة تجري من تحتها المياه حتى تصادفك حديقة مزهرة أخرى وهكذا حتى لإنك تستغرب أين يسكنون ،
ولكن الغريب انك عندما تذهب الى مناطق سكناهم العمودية تجدها حدائق وفي شرفاتهم زروع وفي غرفهم نباتات ظلية وعلى ارصفتهم أشجار وعلى جدرانهم متسلقات ، وذكريات طلبة المدارس مع زراعة الاشجار “الإجبارية” التي تكبر معهم حتى عجنت بدمائهم محبة الارض والوطن الجميل ، بل انهم بنوا قرى وجعلوها اريافا حقيقية تتخللها انهار وجداول تسمع منها خرير الماء ، واستقدموا اليها طبقات الفلاحين فكانها موجودة هنا منذ القديم يساعدهم في ذلك المطر الغزير فاذا شحّ استعانوا بالسقي والرش والتكنولوجيا فلا يمكن ان تجد شبرا واحدا بإسمنت أو دون غطاء نباتي ، عمال وفلاحون لا يهدؤون الليل والنهار منذ خمسين عاما او يزيد ولم تصل درجة الحرارة في انقرة لثلاثين درجة في الصيف حتى عندما سخنت مدن اوربا في ازمة المناخ العالمية ، ومازلت تحتاج الغطاء وغلق النوافذ في آب ليلا لتنام ، وبذا اصبحت انقرة غابات ومزارع وبحيرات تنتشر بينها بيوت وليس بيوتا تحيطها الغابات والمزارع والبحيرات ، جنة لأهلها ويقصدها السوّاح من كل مكان ،