واهمٌ من يُطالبُ بالديمقراطية, وتحقيق العَدل والمُساواة والحُرية, لأنها مطالبٌ غير منطقية, في ظل أنظمة أوتوقراطية, وَسّعَت مَساحة الفوارق الطبقية, وعَمّقت جذور النزعات العِرقية, وسَخّرت أدوات القمع العصرية, وشتى وسائل القهر القسرية, خارج وداخل سجونها السرّية, لمنع نشاط القوى الثورية. ولو راجعنا تاريخ البشرية, منذ انتهاء مرحلة المشاعية, وحتى فترة التحول الى الرأسمالية, لوجدنا ان الأنظمة السياسية, باشكالها المَلكية والجمهورية, قد خضعت للسلطة الفردية, ولم تعرف حكم الأكثرية.
ومن الخطأ التفكير, بقضايا الإصلاح والتغيير, وحرية النقد والتعبير, وحق تقرير المصير, دون الأخذ بالمعايير, ذات الصلة والتأثير,على مواصلة المَسير, بعد التراجع المرير, في درب النضال العسير. فلقد خسِرنا الكثير, وفجعنا بالدم الغزير, وحجم الدمار الكبير, بسبب المُحتل الحقير, وحماقة وسوء التدبير, وخطأ الحسابات والتقدير, لذلك الحاكم الشرير, وتخاذل الأنظمة الخطير, ومن فقدَ الحِس والضمير, وأوجد للعدوان التبرير, وبَعث لقادة التدمير, رسائل الشكر والتقدير.
لقد شَجّعت مُعظم القيادات, على التنافس الضيّق والصِراعات, في السلطة والأحزاب والمنظمات, وبدلا من حشد الطاقات, لتخفيف حدة التوترات, والبحث عن حلول للخلافات, وصولا الى حسم الأزمات, فضل البعض خيار المواجهات, بالخروج الى الشوارع والساحات, ورَفع الشعارات وترديد الهتافات, التي غالبا ما يتخللها الصدامات, وتنتهي بسقوط الضحايا والإعتقالات,على أيدي جلاوزة المخابرات, ورجالها المندسين في المظاهرات, المستعدين لتنفيذ أقذر المهمات, لأجل حماية مصالح الأغوات, وأصحاب النفوذ في السلطات.
إن للسلطةِ طعمٌ ومَذاق, يُناسب جميع الأذواق, ويفتح شهية السّراق, الماسكين بأعمق الأطباق, والمُترقبين لحظة الإطباق. ولعل الأهم على الإطلاق, أنه يُعجبُ حُكامنا الفسّاق, ومن يحاول اللحاق, بناكري العهد والميثاق, ومُحترفي الكذب والنفاق, وفاقدي الغيرة والأخلاق, بجامعة شُذاذ الآفاق, المتعودين على اللقاق, كولاة أمرهم البقاق, المُنهمكين بخلطِ الأوراق, ونشر الفرقة والشقاق, ومُحاربة الأخاء والوفاق, بين مختلف الأعراق, وأخوة الدار والرفاق, ليستمر الدمار والإحتراق, ويعم التخلف والإملاق, وبحور الدم المُراق, بين الأخوة والرفاق, في ليبيا وسوريا والعراق, بينما الطغاة الزُهاق, يتبادلون القبل والعناق, ويرفعون النخب الهراق, وليتهم شربوا الزعاق, كي لا نسمع النهاق, وضباح الثعالب والنعاق, داخل القاعات والرواق, لغياب القادة الِلباق, وفحول الخطابة السلاّق, ورجال الدولة الحُذاق.
فلا غرابة ولا عجب, لسلوك القادة العرب, ممن أصابهم الجرب, وقاوموا الحياء والأدب, واستسلموا لمن غلب, ولكل من هب ودب, وعلى ظهورهم ركب, ولخيرات الأمة سلب, ولنفطها وغازها نهب, وفرض ارادته وغصَب, كيفما شاء ورغب, وليس عليه عتب. فقادتنا عند الخطب, كالأرانب في الهرب, وخدمٌ تحتَ الطلب, كبيرهم أبو لهب, زوج حمالة الحطب, أنهكه المرض والتعب, وأصاب جسمه العطب, ودنا يومه واقترب, واذا قام وانتصب, فالفضل للعقاقير والسبب. أما صغيرهم فمجهول الحسَب, وغير معلوم النسب,الى العشيرة انتسب, وجمع حوله النُخب, ممن يَحْبَون كالدُبب, بكروشهم المنفوخة كالقِرب, وعلى أبيه تآمر وانقلب.
لقد أصبحت أرضنا رخوة, وتعمقت بين أهلها الفجوة, وتبددت في النفوس النخوة, وتكررت خيبة الظن والهفوة, وغاب التسامح عند السهوة, وطال أمد القطيعة والجفوة, وقد شعر العدو بالنشوة, وعبأ سلاح غدره بالحشوة, وقتل الأطفال والشيوخ والنسوة, وضمن سكوت الطغاة بالرشوة, ووعدهم ببقاء السلطة والسطوة, وفرض عليهم شروطه بالقوة, فأطال قادتنا في الغفوة, دون ان يُفكروا بالصحوة. وإذا صحوا في الغدوة, فليس لهم غير اللغوة, وهم يحتسون القهوة, لأنهم سِقط المتاع, وأنذل ولاة البقاع, وأرذل حُماة الأتباع, وأسفل بُغاة الأوزاع, الأوفياء لحد النخاع, لمحتل تدفعه الأطماع, ولا يبلغ حالة الإشباع, لا سيما ان الأتباع, قد صوتوا لبقائه بالإجماع, رغم المآسي والأوجاع, وطول فترات النزاع, وأمد الفتنة والصراع, بين مختلف الأوزاع, ليستغل هؤلاء الرعاع, فرصة تردي الأوضاع, ويبنوا القصور والقلاع, جنب الروابي والتلاع, وألف طز بالجياع, طالما غاب الشجاع, ومن يَرُدّ الصاعَ بالصاع .
فيا أمتنا المتعوبة, ويا شعوبنا المنكوبة, عليكم بالنهضة المطلوبة, لأنتزاع حقوقكم المسلوبة, وانقاذ ثرواتكم المنهوبة, مهما بلغت الصعوبة, ولا خير بأمةٍ مغلوبة, تقودها أنظمة معطوبة, كالمطية للأجنبي مركوبة, خطواتها غير محسوبة, ومن سقوطها مرعوبة.