18 ديسمبر، 2024 9:04 م

أنظمة الخليج والصدمة الحوثية : استفاقة بعد فوات الأوان !

أنظمة الخليج والصدمة الحوثية : استفاقة بعد فوات الأوان !

هل يمكن أن نلوم بعض عناصر النخب الخليجية والعربية الأخرى ، إزاء ما بدر منها من مواقف نقدية وتوجهات معارضة لسياسات الأنظمة الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي ، طيلة فترة العقود الماضية ولحد الآن ، بناء على لمسته من عجز فاضح في معالجة الأزمات السياسية ودرء التصدعات الاجتماعية ؟ . وإذا كان هناك من انتهج – لتوخي المحاذير وتجنب الممنوعات – طريق النقد المبطن للقرارات المرتجلة والممارسات الخاطئة ، التي تدار من خلالها سياسة الدولة في الشؤون الداخلية والخارجية ، عبر أساليب الكتابة الثقافية والأنشطة الفنية ، فان هناك من اختار المواجهة المباشرة ورمى بثقله الأكاديمي والمعرفي والعلمي في سعيه للتصدي لمظاهر الفساد والانحراف التي باتت أكبر وأكثر مما يمكن السكوت عنه والتغطية عليه . والحقيقة انه ومن خلال متابعاتي الشخصية لإسهامات البعض من تلك النخب ، لم أجد ما يضارع مواقف وأنشطة المفكر الإسلامي والناشط السياسي الدكتور (عبد الله فهد النفيسي) في هذا الإطار ، ليس فقط لجهة دقة التشخيص للمعطيات الوطنية الآخذة في التبلور ، وعمق التحليل للعلاقات الاقلبمية الآخذة في التوتر فحسب ، وإنما لجهة الشدة في النقد الذي يكيله لفساد الأنظمة خصوصا”، والموضوعية في طرح الإشكاليات التي تعاني منها المجتمعات الخليجية عموما”. لاسيما تلك الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السلبية ، التي طالما حذر من مغبة عواقبها الجسيمة وتداعياتها الخطيرة ليس فقط على حاضر المجتمعات الخليجية المخدرة برخائها الريعي فحسب بل وعلى مستقبل وأجيالها التي لا يمكن التكهن بمأساوية مصيرها ، إذا ما استمرت أنظمتها الحاكمة سادرة في سياسات الارتجال بدلا”من التعقل ، والانفعال بدلا”من الفعل ، والإغفال بدلا”من التواصل . هذا بالإضافة إلى عدم الانفتاح على بقية المكونات السياسية والاجتماعية البعيدة عن الأصل القبلي والنسب العائلي للأقلية المتحكمة بمصادر القرار والثروة ، ناهيك عن حالة التشرذم والتشظي التي تعيشها دول المنطقة دون الاحتكام إلى ضرورة الاتحاد الكونفدرالي أو الوحدة الجغرافية والسياسية التي تقيها الأطماع الإقليمية وتجنبها التدخلات الخارجية . وهو الأمر الذي جعل منه (النفيسي) الشخصية الثقافية والسياسية الأبرز في معظم المنتديات الرسمية والشعبية ، لا في وطنه الكويت فقط وإنما في جميع الأقطار الخليجية أيضا”، على الرغم من تحفظات الأولى بحكم قربها من السلطة ، وتخوفات الثانية من واقع احتسابها على المعارضة . وطيلة العقود الماضية لم يفتأ يحذر المسؤولين الخليجيين إزاء النوايا والإطماع التي تتربص في منطقة الخليج العربي دولا”ومجتمعات وهويات ، وكان آخرها تنبيهاته وتحذيراته حيال مسار الأحداث في دولة اليمن ، التي استشرف – بحكم خبرته السياسية وخلفيته المعرفية – إنه يتجه صوب مواجهات قبلية حادة وصراعات سياسية دامية ، سوف لن يكون الرابح فيها والمستفيد منها سوى الفصيل (الحوثي) المدعوم من طهران ، وحين ذاك لا يفيد الندم ولا تغني الحسرات . وبدلا”من أن تعطي تلك الأنظمة أذانا”صاغية لتلك النذر والتحذيرات ، اعتمدت على غير هدى – لعله بفعل الإيحاءات الخارجية المفبركة – إستراتيجية خطيرة لم تتحسب لعواقبها في القادم من الأيام مؤداها ؛ إن دعم تنظيمات القاعدة (السنية) الموجودة في اليمن والسماح لعناصرها بالنمو التحرك ، كفيل بالحدّ من تمدد التيار الحوثي (الشيعي) وكبح جماح اندفاعه نحو السلطة . أي أنها راهنت بسذاجة لا تحسد عليها – كمن يستجير من الرمضاء بالنار – على احتمالات وتوقعات ما يمكن أن تفضي إليه حصيلة الصراعات (الطائفية) و(القبلية) المقبلة من نتائج . إلاّ أن سياسة الجماعة الحوثية القائمة على إستراتيجية القضم للمؤسسات والتوسع في المحافظات فاجأت الجميع وأذهلت الكل ، من حيث سرعة الحركة والانتشار وثبات المواقف وصرامة الإجراءات ومركزية التنظيم ، لاسيما وان الجماعة المذكورة استثمرت ببراعة كثرة الثغرات والخلافات لدى جبهة القوى السياسية المعارضة من جهة ، وتخبط وتخاذل وتردد السلطات الحكومية حيال القرارات والإجراءات الواجب اتخاذها ، للحيلولة دون فقدان الدولة لسيادتها وضياع السلطة لهيبتها من جهة ثانية ، وميوعة وهلامية المواقف الإقليمية والدولية لاسيما ضبابية مواقف الأمم المتحدة ، التي باتت أعجز من تعالج أية مشكلة وتحل أية قضية من جهة ثالثة . وهكذا سقطت ثمار السلطة ناضجة ويانعة بأيدي الجماعة الحوثية ، التي أجادت أصول اللعبة واستوعبت قدرة الخصوم على المناورة والمطاولة في خضم صراع الإرادات ، مدشنة بذلك مرحلة جديدة وفاصلة لا في التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الخليج (العربي) – وبضمنها المجتمع اليمني- فحسب ، وإنما في نمط العلاقات الإقليمية والدولية المترتبة على ذلك . ولعل الاستفاقة المتأخرة وردات الفعل الغاضبة التي تمخضت عن اجتماعات الحكومات الخليجية حيال ما حدث في اليمن ، جاءت بعد فوات الأوان وكمن أخذ على حين غرة ، بحيث أنها لم ترقى إلى مستوى ما وقع من تحولات

دراماتيكية ، كما يبدو أنها لم تستوعب بعد – والأحرى أنها لم تستفيق بعد من هول الصدمة – حجم التحديات المصيرية التي بات عليها مواجهتها والتصدي لها ، ليس فقط على الصعيد السياسي / الأمني الذي طالما كان هاجسها الوحيد خشية على أنظمتها ومصالحها فحسب ، وإنما على بقية الصعد ؛ الاجتماعية / الاقتصادية ، والجغرافية / التاريخية ، والدينية / الطائفية ، والثقافية / الحضارية .

أنظمة الخليج والصدمة الحوثية : استفاقة بعد فوات الأوان !
هل يمكن أن نلوم بعض عناصر النخب الخليجية والعربية الأخرى ، إزاء ما بدر منها من مواقف نقدية وتوجهات معارضة لسياسات الأنظمة الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي ، طيلة فترة العقود الماضية ولحد الآن ، بناء على لمسته من عجز فاضح في معالجة الأزمات السياسية ودرء التصدعات الاجتماعية ؟ . وإذا كان هناك من انتهج – لتوخي المحاذير وتجنب الممنوعات – طريق النقد المبطن للقرارات المرتجلة والممارسات الخاطئة ، التي تدار من خلالها سياسة الدولة في الشؤون الداخلية والخارجية ، عبر أساليب الكتابة الثقافية والأنشطة الفنية ، فان هناك من اختار المواجهة المباشرة ورمى بثقله الأكاديمي والمعرفي والعلمي في سعيه للتصدي لمظاهر الفساد والانحراف التي باتت أكبر وأكثر مما يمكن السكوت عنه والتغطية عليه . والحقيقة انه ومن خلال متابعاتي الشخصية لإسهامات البعض من تلك النخب ، لم أجد ما يضارع مواقف وأنشطة المفكر الإسلامي والناشط السياسي الدكتور (عبد الله فهد النفيسي) في هذا الإطار ، ليس فقط لجهة دقة التشخيص للمعطيات الوطنية الآخذة في التبلور ، وعمق التحليل للعلاقات الاقلبمية الآخذة في التوتر فحسب ، وإنما لجهة الشدة في النقد الذي يكيله لفساد الأنظمة خصوصا”، والموضوعية في طرح الإشكاليات التي تعاني منها المجتمعات الخليجية عموما”. لاسيما تلك الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية السلبية ، التي طالما حذر من مغبة عواقبها الجسيمة وتداعياتها الخطيرة ليس فقط على حاضر المجتمعات الخليجية المخدرة برخائها الريعي فحسب بل وعلى مستقبل وأجيالها التي لا يمكن التكهن بمأساوية مصيرها ، إذا ما استمرت أنظمتها الحاكمة سادرة في سياسات الارتجال بدلا”من التعقل ، والانفعال بدلا”من الفعل ، والإغفال بدلا”من التواصل . هذا بالإضافة إلى عدم الانفتاح على بقية المكونات السياسية والاجتماعية البعيدة عن الأصل القبلي والنسب العائلي للأقلية المتحكمة بمصادر القرار والثروة ، ناهيك عن حالة التشرذم والتشظي التي تعيشها دول المنطقة دون الاحتكام إلى ضرورة الاتحاد الكونفدرالي أو الوحدة الجغرافية والسياسية التي تقيها الأطماع الإقليمية وتجنبها التدخلات الخارجية . وهو الأمر الذي جعل منه (النفيسي) الشخصية الثقافية والسياسية الأبرز في معظم المنتديات الرسمية والشعبية ، لا في وطنه الكويت فقط وإنما في جميع الأقطار الخليجية أيضا”، على الرغم من تحفظات الأولى بحكم قربها من السلطة ، وتخوفات الثانية من واقع احتسابها على المعارضة . وطيلة العقود الماضية لم يفتأ يحذر المسؤولين الخليجيين إزاء النوايا والإطماع التي تتربص في منطقة الخليج العربي دولا”ومجتمعات وهويات ، وكان آخرها تنبيهاته وتحذيراته حيال مسار الأحداث في دولة اليمن ، التي استشرف – بحكم خبرته السياسية وخلفيته المعرفية – إنه يتجه صوب مواجهات قبلية حادة وصراعات سياسية دامية ، سوف لن يكون الرابح فيها والمستفيد منها سوى الفصيل (الحوثي) المدعوم من طهران ، وحين ذاك لا يفيد الندم ولا تغني الحسرات . وبدلا”من أن تعطي تلك الأنظمة أذانا”صاغية لتلك النذر والتحذيرات ، اعتمدت على غير هدى – لعله بفعل الإيحاءات الخارجية المفبركة – إستراتيجية خطيرة لم تتحسب لعواقبها في القادم من الأيام مؤداها ؛ إن دعم تنظيمات القاعدة (السنية) الموجودة في اليمن والسماح لعناصرها بالنمو التحرك ، كفيل بالحدّ من تمدد التيار الحوثي (الشيعي) وكبح جماح اندفاعه نحو السلطة . أي أنها راهنت بسذاجة لا تحسد عليها – كمن يستجير من الرمضاء بالنار – على احتمالات وتوقعات ما يمكن أن تفضي إليه حصيلة الصراعات (الطائفية) و(القبلية) المقبلة من نتائج . إلاّ أن سياسة الجماعة الحوثية القائمة على إستراتيجية القضم للمؤسسات والتوسع في المحافظات فاجأت الجميع وأذهلت الكل ، من حيث سرعة الحركة والانتشار وثبات المواقف وصرامة الإجراءات ومركزية التنظيم ، لاسيما وان الجماعة المذكورة استثمرت ببراعة كثرة الثغرات والخلافات لدى جبهة القوى السياسية المعارضة من جهة ، وتخبط وتخاذل وتردد السلطات الحكومية حيال القرارات والإجراءات الواجب اتخاذها ، للحيلولة دون فقدان الدولة لسيادتها وضياع السلطة لهيبتها من جهة ثانية ، وميوعة وهلامية المواقف الإقليمية والدولية لاسيما ضبابية مواقف الأمم المتحدة ، التي باتت أعجز من تعالج أية مشكلة وتحل أية قضية من جهة ثالثة . وهكذا سقطت ثمار السلطة ناضجة ويانعة بأيدي الجماعة الحوثية ، التي أجادت أصول اللعبة واستوعبت قدرة الخصوم على المناورة والمطاولة في خضم صراع الإرادات ، مدشنة بذلك مرحلة جديدة وفاصلة لا في التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الخليج (العربي) – وبضمنها المجتمع اليمني- فحسب ، وإنما في نمط العلاقات الإقليمية والدولية المترتبة على ذلك . ولعل الاستفاقة المتأخرة وردات الفعل الغاضبة التي تمخضت عن اجتماعات الحكومات الخليجية حيال ما حدث في اليمن ، جاءت بعد فوات الأوان وكمن أخذ على حين غرة ، بحيث أنها لم ترقى إلى مستوى ما وقع من تحولات

دراماتيكية ، كما يبدو أنها لم تستوعب بعد – والأحرى أنها لم تستفيق بعد من هول الصدمة – حجم التحديات المصيرية التي بات عليها مواجهتها والتصدي لها ، ليس فقط على الصعيد السياسي / الأمني الذي طالما كان هاجسها الوحيد خشية على أنظمتها ومصالحها فحسب ، وإنما على بقية الصعد ؛ الاجتماعية / الاقتصادية ، والجغرافية / التاريخية ، والدينية / الطائفية ، والثقافية / الحضارية .