23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

أنت أيضا جثة مجهولة الهوية

أنت أيضا جثة مجهولة الهوية

كنت صبيا، وكنت أحسب إن الإسم الجميل يعبر عن شخص فاضل، ولذلك كنت أتهم هابيل بقتل قابيل، ثم عرفت إن قابيل هو القاتل، وإن الغراب كان شريكا في الجريمة حين دل قابيل على طريقة لمداراة جثة أخيه.

بمرور الوقت تعلم القتلة كيف يتخلصون من جثث ضحاياهم في الظروف الإستثنائية، فيعمدون الى قتلهم، ثم مواراة في حفر عميقة، او في حفر دون أن يعمقوها فتكون قريبة الى السطح، ويسهل إكتشافها لاحقا، ولايهتم كثير من القتلة بماسيحدث فيما بعد. فالمهم هو التخلص السريع من الضحايا، ثم لكل حادث حديث، وهذا مايفسر إكتشاف الكثير من المقابر الجماعية بعد سقوط الحكومات الدكتاتورية حول العالم، والتي تشكل دليلا على وحشية الإنسان حين يكون في السلطة، ويخشى المنافسين فيصفيهم بادوات قتل يبتكرها، ولايستثن بين القوي والضعيف فكل من يشك في نواياه هو خطر محتمل يجب تفاديه.

لاتوجد جثث مجهولة الهوية، فالقاتل على الأقل يعلم هوية من يقوم بقتله، ولم هو يقتله.وإذا ماضاع اثر شخص فقد يعرف لاحقا، لكن مالم يلتفت إليه الناس إن كل إنسان هو مشروع جثة مجهولة الهوية، وسواء كان الميث مقتولا، أم ضحية لوباء، أو حادث عرضي، وحتى إن بكى عليه الباكون، وشيعه المشيعون، ووقف على قبره الواقفون فإنه سيطوى، ثم ينسى، وإذا كان أحدنا يعلم قبر أمه وأبيه فليس مرجحا أن أولاده سيعلمون لأنهم سينشغلون بقبره، وحين سيأتي ابناؤهم سينسونه هو أيضا، وهكذا تمتد سلسلة النسيان، ومن كان قبره معلوما من الأنبياء والملوك والعباقرة فقد يشك في نسبة القبر لصاحبه، وربما كانت القرون كفيلة بتغييب القبور وإندثارها، وحين تمر آلاف من السنين يكون الجميع مجهولي الهوية، وحين ينبش الآثاريون يجدون قبورا متناثرة تحت الرمال، وفي الكهوف، وقد زرت أصحاب الكهف في ضواحي عمان فوجدت عظامهم مكدسة في موضع، وينظر السياح لها من نافذة، فلانعرف من هو مكسيم القائد، ومن هم أصحابه، وفقط هناك عظام بالية.