قال نيجرفان برزاني في المؤتمر الصحفي الذي عقده على هامش اجتماعاته لتشكيل الكابينة الثامنة لحكومة إقليم كردستان , ( إننا نمارس حقا دستوريا إقليم كردستان وهو الحق الذي منحنا إياه الدستور العراقي , ونود أن نطبقه عمليا , ونحن على استعداد أن نجلس مع بغداد وأن نبحث كافة المسائل بوضوح بغية أن يتفهموا المسائل على نحو أفضل ) .
وبما أنّ الحديث يدور حول الحق الدستوري فلا بأس بتسليط الضوء على هذا الحق الذي يدّعيه رئيس وزراء الإقليم , فالدستور العراقي الذي يتحدث عنه رئيس الإقليم , قد كتب باللغة العربية وليس باللغة الكردية حتى نقول أنّ خطأ بالترجمة قد تسبب في هذا الإشكال والخلاف , فالمواد الدستورية التي تناولت النفط والغاز هما مادتين فقط , وهما المادة 111 والمادة 112 بشقيها أولا وثانيا , والمادة 111 قد نصّت على ( النفط والغاز هو ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات ) , وهذه المادة واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار , فهي قد جعلت النفط والغاز في كل جزء من العراق هو ملكا لعموم الشعب العراقي عربا كانوا أم كردا أم تركمانا أم من باقي أطياف الشعب العراقي , فلا يوجد وفق هذا النص الدستوري نفطا كرديا وآخر عربيا وآخر تركمانيا , ولهذا فوجود النفط في محافظة عربية لا يعني أنّ هذا النفط هو ملكا لعرب هذه المحافظة , ووجوده كذلك في المحافظات الكردية هو الآخر لا يعني أنّ هذا النفط هو ملكا لسكان هذه المحافظة الكردية , بل هو ملك لكل الشعب العراقي كما نص الدستور بذلك , ولهذا فليس من حق جكومة إقليم كردستان أو الحكومات المحلية في المحافظات المنتجة , أن تتصرف وحدها بهذا النفط بعيدا عن سيطرة وإشراف الحكومة الاتحادية المسؤولة حصرا عن رسم وتنفيذ السياسات العامة للدولة الاتحادية والتي تشمل السياسة الاقتصادية والمالية والتجارية والنقدية , فهذه المادة الدستورية قد قطعت الطريق أمام حكومات الأقاليم والمحافظات المحلية المنتجة بالتصرف بشكل منفرد بهذه الثروة بعيدا عن إشراف وسيطرة الحكومة الاتحادية , فاين هو هذا الحق الذي يدّعيه رئيس الإقليم في هذه المادة الدستورية ؟ .
أما المادة 112 من الدستور العراقي التي هي موضع الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم فهي بشّقين , الشق الأول نصّ على ( تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الإقاليم والمحافظات المنتجة , على أن توّزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد , مع تحديد حصة لمدة محدودة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق , والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد , وينظم ذلك بقانون ) , فالإشكال في هذه المادة الدستورية يدور حول نقطتين هامّتين , النقطة الأولى تتعلق بمفهوم الحقول الحالية , فهذه المادة قد جعلت إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية , إدارة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وبين حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة , ولم تتطرق إطلاقا لا من قريب ولا من بعيد للحقول الجديدة وكيف تدار هذه الحقول , وتركت تنظيم هذا الأمر لقانون النفط , حيث نصّت هذا المادة إنها تنّظم بقانون , وحتى هذه اللحظة لم يشرّع هذا القانون حتى يحسم موضوع إدارة الحقول الجديدة , والإشكال الثاني يتعلق بقانون النفط الذي لم يشرّع حتى هذه اللحظة , فرئيس الإقليم مسعود البارزاني يعتقد أنّ اتفاقه مع رئيس الوزراء نوري المالكي بشكل شفوي , يمنحه الحق في استخراج النفط وتصديره وتوقيع العقود مع شركات النفط العالمية حتى وإن كانت هذه العقود مخالفة للقوانين النافذة في هذا المجال والمتمثلة بقانون النفط لسنة 1985 المعمول به حاليا والذي يمنع عقود المشاركة , في حالة عدم صدور قانون النفط بعد عام 2006 , حيث يعتبر أنّ هذا الاتفاق مع نوري المالكي ( إن كان صحيحا كما يدّعي ) , هو بمثابتة الحق لحكومة الإقليم بالانفراد وتوقيع العقود بعيدا عن اشراف وسيطرة الحكومة الاتحادية , ورئيس الإقليم يعلم جيدا إنّ أي قانون أو اتفاق سياسي سواء كان شفهيا أو مكتوبا , معلنا أو سرّيا , يعتبر باطلا ولا يعتّد به إذا كان يتقاطع مع الدستور العراقي الذي هو القانون الأسمى والأعلى في البلد , كما إنّ المادة 112 ثانيا قد نصّت على ( تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي , معتمدة أحدث تقنيات السوق وتشجيع الاستثمار ) , وهذه المادة هي الأخرى قد جائت واضحة كوضوح الشمس , بأنّ رسم السياسات الستراتيجية والمتعلقة بتطوير الثروة النفطية , هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة , سواء كان ذلك في الحقول الحالية أو الحقول الجديدة , ولم تعطي الحق إطلاقا لأي جهة بالتصرف منفردة برسم هذه السياسات بعيدا عن مشاركة الحكومة الاتحادية , فأين هو هذا الحق الدستوري الذي تدّعيه يا رئيس وزراء إقليم كردستان ؟ .
أمّا فيما يتعلق باستعدادك للجلوس مع الحكومة في بغداد والتباحث حول كل المسائل , فهو أمر جيد , لكنّ هذا يجب أن يتمّ قبل توقيع هذه العقود والاتفاقات الكارثية , وليس الآن كما يقول المثل الشعبي ( بعد ما وكع الفاس بالراس ) , واسمحلي يا سيادة رئيس الإقليم أن أقول لك إنّ ما قامت به حكومة إقليم كردستان بتوقيها عقود النفط مع شركات النفط العالمية والانفراد بتوقيع اتفاقات مع تركيا تمس السيادة الوطنية , هو جريمة وخروج على على هذا الدستور الذي تدّعي الحق فيه , وهذا التصرف هو بلطجة وليس ممارسة للحق , وتيّقن يا رئيس وزراء الإقليم إنّ العراقيين الأحرار لن يسكتوا على هذه الجريمة , وسوف يقاضوا حكومة إقليم كردستان أمام المحكمة الاتحادية العليا , وهذا الأمر قادم لا محالة .