18 ديسمبر، 2024 9:52 م

يهوي الليل بسواده على غرفتي كمغتصب لئيم … حقيبة سفري تنتظرني بصمت … وأنا مثل  شبح معذب محبوس في قلعة نائية راح يبحث عن ظله المفقود ليتسلى معه بالكلام .
حياة منتصف الليل وأضواء الشمع القرمزية حقا تغري …ثمة تكتكة وعبث في صفحات كتاب ما أهملت قراءته راحت تلهو به أبدا الريح ! صوت صارخ من بعيد ( أمنحوا مدينتي بعضا من الأمان وسوف ارقص فرحا في شوارعها ) …لست ادري …حيث مازلت أسير حمى السهر اللذيذ بعد أن فقدت قدرتي على التواصل معهم في مجتمع الفوضى .
حياتنا جرح كبير وأنا شريانها النازف … لماذا اتهم الماضي ؟ ولا أتهم من تسبب من خرابه ودمار الحاضر وغربة الغد المنتظر ؟ أجبرنا على الرحيل إلى حيث اللاعودة وراء البحار … وراء بلاد الجان …اخبرونا إن هناك حيث يعيش الأمان … ها أنا ذا في رحلة جديدة  للبحث عنه .
تهيم روحي في سهول مدينتي النائمة … أضحى الصبر لعبتنا … كم من كلمات تلاشت تحت شمس الحقيقة …شمسنا حمراء اللون …كالدم !
الكل مشغول بما هو مشغول به من تفاهات ملونة … وأنا مشغول بالواقعة ..؟ يا بلد الشاي المر وجثث السكائر الملقاة على أرصفة التاريخ متى تغير نكهتك ؟ أصبحت كدكان عتيق أحاطت بين ثناياه بقايا شباك عناكب مهجورة وغبار الثورات العقم .
أي ريح مظلمة تشرنق مدينتي ؟ أي أجساد غضة راحت تتأهب لطقوس موت جماعي مقدسة  ؟ كذا فليكن … مادمنا نتكل على من اتخذ من الدين تجارة … فأصبحنا كثمار ناضجة تعصر تحت الرحى … والرحى تدور وتدور … نحن منبع الألم … كأرضنا منذ أن لعنت .
مطر الشتاء يطرق نوافذ الغرفة … يزعجني بفضوله اللامتناهي … أحسه كاللص يتحين الفرصة ليسرق ما تبقى لي … كسارقي مدينتي الأشراف ! …أتظاهر بعدم السمع … تزداد طرقاته أكثر وأكثر لتوقظني إلى واقعي الأليم . فنحن كأعشاب البحر تلهو بنا الأمواج تجمعنا تارة وتشتتنا تارة .
ينفجر الرعد فجأة …صرخة تهديد غامضة أخرى ! …ضربات المطر تزداد ضراوة على نافذة غرفتي …حقيبة سفري تتأوه …لا اهتم …لا افتح … تتألق عيناي ويلمع وميضها رغم ضوء الشمعة الخافت … اختفى معنى الوطن فينا … مات أمام كل ما يحدث … فغدا موعد الرحيل … نحمل رايات الانتصار الفارغة ونقاتل بعضنا البعض بمباركة أسيادنا الكرام !
ما أغبانا ونحن نحارب بعضنا ولا نحاربهم 
ربما إني اهلوس …أبكي ويختلط دمعي ويتوارى مع قطرات المطر
اعوي و اعوي …ذئب جريح أنا
لا تعتب علي يا وطني … بصراحة لم تولد في الشجاعة لأتظاهر في شوارعك بحرية ضد كل من دنسوا ترابك …ولأنني وحيد  تراني كنت أسير عكس تيار كل من خرج ليتظاهر ضد سيد غير سيده  ويرفع رايات ولي نعمته !
لا اقدر …ولن اقدر بعد الآن …فضلت الرحيل … وسأتحمل وجع الرحلة إلى أن يأتي يوم وتستيقظ حواسك وتنتفض من جديد … حينها تصرخ لي فأستجيب .
الصياح الثالث للديك يوقظني من غمامة أفكاري … أتابع رزم حقيبتي … ساعتان على بدء الرحلة … ساعتان وتبدأ ساعة الصفر …ساعتان وتبدأ قصة الوجع .. سوف ارحل بصمت مع الراحلين لعلي أجد رفيق درب يشاركني الوجع ؟ و ربما أقص عليه  كل التفاصيل بينما نحن نسير في أطراف هذا الكون نراهم ونسمع أخبارهم ولا نلتفت إليهم .
صباحا عندما تطرق الشمس بأشعتها نافذة غرفتي وتحييني كالمعتاد سوف لن تجد من يرد لها التحية
سوف تبحث عني … لن تجدني 
ولكنها بالتأكيد  سوف تجد ورقة خبيثة  بانتظارها على حافة الطاولة مسطر عليها 
أنتم السبب …وأنا .