يعتبر الحراك الشعبي هو خط الشروع لأي تجمع انساني يسعى الى التغيير بغض النظر عن نوع وماهية هذا الحراك والاساليب التي ينتهجها الشعب لاحداث صيرورة جديدة لواقعه الذي يعيشه ..وكذلك هو نقطة تحول تعمل على تغيير مسار التاريخ سلباً او ايجابناَ تبعاً للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سترافق هذا الحراك الجماهيري ويتبلور هذا الحراك على ارض الواقع بصيغة انتفاضات شعبية تتعدد أسبابها ودوافعها تبعا لخصوصية كل بلد وطبيعة منظومته الاجتماعية وموقعة في الخارطة السياسية والاقتصادية العالمية فقد تكون هذه الاسباب اّنية مرحلية ناتجة من حالة تذمر شعبي لقرارات حكومية أستثنائية مجحفة بحق شعوبها قد تعمل على سلبها بعضا من حرياتها او تسبب غلاء جزئي في المعيشة ..وغالبا ما تعالج مثل هذه الاسباب مما يؤدي الى انتهائها في مراحلها الاولى ..او قد تكون الاسباب ناتجة من عملية تراكمية لكم هائل من المشاكل والازمات التي تعانيها المجتمعات وتكون الانتفاضة صورة وتجلي لغضب جماهيري وثورة لبركان ظل راقدا لزمن طويل تحت الرماد ينتظر الفرصة الملائمة للافصاح عن نفسه وغالبا ماتتحول مثل هذه الانتفاضات ذات الاسباب التراكمية الى ثورات بالمعنى الحقيقي لها اذا ما توفرت لها مقومات الثورة ..كما حدث في الثورة الفرنسية عام 1789ميلادي والثورة البلشفية الروسية عام 1917ميلادي والثورة الكوبية عام 1959ميلادي والثورات التي حدثت في المعسكر الشرقي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ميلادي ..والتي انتفضت فيها شعوب هذه البلدان على حكوماتها الظالمة والتي قبعت تحت حكمها لعقود طويل.
وفي بلدي العراق الذي عاش تحت وطأة الظلم والحروب العبثية وكبت الحريات ومصادرة الرأي وتكميم الافواه طيلة حكم البعث منذ عام 1968 ميلادي وبالخصوص الفترة التي أعقبت انقلاب 1979ميلادي الذي حدث داخل حزب البعث نفسه وازاحة احمد حسن البكر عن السلطة وعن دوره القيادي في الحزب وظهور صدام حسين كقائد اوحد لكل شئ في سماء وارض العراق وتسلط حكم العشيرة ومن ثم حكم الاسرة الواحدة على مقدرات هذا البلد الغني بكل شئ عندها ارتبط مصير الشعب العراقي بأسره بمزاجية وميول وتوجهات هذا الشخص فأدخله في حروب عبثية خرج منها مهزوما باعترافه هو ولم يجني منها الشعب غير الموت والاسر وفقدان الاحبة وهدر لثرواته كما حصل في حرب الخليج الاولى والتي انتهت بعد مخاض طويل دام لثمان سنوات خرج منها العراق منهكا اجتماعيا واقتصاديا وعسكريا ..ثم مالبث ان ادخله في في حرب اخرى عند احتلاله للجارة الكويت عام 1990 ميلادي وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير فبعد ستة اشهر من الاحتلال اجبر على الخروج وتكبد الجيش العراقي خسائر فادحة في ساحة القتل التي أعدتها قوات التحالف الغربي له في منطقة المطلاع جنوب العراق مما خلق حالة من الانكسار والتذمر في صفوف الجيش والشعب فحدثت الانتفاضة وكانت شرارتها اطلاق بعض الجنود العراقيين المنسحبين من الكويت النار على تماثيل وصور صدام عند دخولهم مدينة البصرة وبذلك كسروا حاجز الخوف الذي شيده النظام على مدى عقود بمنظومته الامنية القمعية التي كممت الافواه وصادرت الحريات ..فشجعت ابناء الشعب على النزول الى الشوارع والمطالبة بأسقاط النظام الذي كان سببا لكل هذه الهزائم والماّسي التي حلت به ثم مالبثت ان تحولت الى أنتفاضة عارمة أنتشرت كالنار في الهشيم بين محافظات الوسط والجنوب لتشمل اربعة عشر محافظة من ظمنها المحافظات الشمالية وسيطر الثوار على كل تلك المحافظات وأندحر النظام ونكفأ على نفسه ..لكن غياب التنظيم وقلة التسليح لدى الثوار وغياب الارادة الاقليمية والدولية بالتغيير ادى الى أستعادة النظام للمبادرة مرة أخرى وتمكن من اعادة ترتيب صفوفه بعد ان مارس عهره في خيمة صفوان وأعطى كل شئ لدول التحالف الغربي وبالخصوص أمريكا ..ليتفرغ لاجهاض الانتفاضة بمباركة عربية امريكية بعد أن أوهم النظام المحيط العربي والدول الغربية بأن الانتفاضة هي ذات طابع طائفي ومدفوعة وموجهة من خلف الحدود فقامت قوات التحالف الغربي بسحب قواتها من مدن العراق الجنوبية وترك الباب مفتوح على مصرعيه لفلول النظام بممارسة ابشع اساليب القتل والتنكيل بحق ابناء المحافظات المنتفضة حتى وصلت الى استهداف المراقد المقدسة في كربلاء وقامت قواته بتنفيذ حملات اعدام جماعية تمثلت بجريمة المقابر الجماعية التي راح ضحيتها اكثر من ثلاثمائة الف عراقي من رجال وشيوخ واطفال ونساء وحول هذه المحافظات الى سجون كبيرة يوشحها الموت والخوف والجوع والحرمان ..وبذلك قضى هذا النظام الدموي الذي وسم تاريخه بالدم والحروب على الحلم العراقي اّن ذاك بالتغيير والخلاص وكان لأنتفاضة اذار المباركة ان تحقق مبتغاها ولأصبح التغيير عراقيا محضاً وبسواعد وأرادة ابنائه لولا تاّمر الاستكبار العالمي عليها ..لكنها بالرغم من كل ذلك ستبقى علامة مضيئة في جبين العراق تنهل منها الاجيال العبر والدروس ومعاني التضحية والفداء من اجل العراق.