18 ديسمبر، 2024 7:01 م

أنتصار الأمية والجهل والعشائرية!

أنتصار الأمية والجهل والعشائرية!

منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى الان يعيش المجتمع العراقي صراعا قويا وواضحا بين مفهوم البداوة والحضارة! رغم ما بذلته الحكومات التي توالت على حكم العراق من ملكية وجمهورية من جهود في سبيل الأرتقاء بهذه الأمة كلا على طريقته وسياسته .ورغم حالة الشد والجذب بين هذين المفهومين (البداوة و الحضارة) على مر ذلك التاريخ، الا أنه ومع الأسف الشديد أن حالة البداوة والتخلف والأمية والجهل والعشائرية هي التي أنتصرت وسادت أخيرا!! وما أدل على ذلك ، من المظاهر التي نشاهدها في كل مفردة من مفردات حياتنا و تعاملنا اليومي والتي تفتقد الى أبسط مقومات التعامل الحضاري والأنساني وحتى الأخلاقي!!، حتى أنني بت أشك! هل أننا فعلا أبناء وورثة تلك الحضارة العريقة التي أمتد عمرها لأكثر من 6000 عام !! والتي قدمت للعالم كل فنون العلم والمعرفة والأدب؟!. أن الشارع العراقي جله من الأجيال الأخيرة (الثمانينات والتسعينات والألفينات)، ونسبة كبيرة منهم لم يكملوا حتى التعليم الأبتدائي والمتوسط!، والمؤلم أن هذه الأجيال تربت على ثقافة العنف واللاقانون وأفكار العشيرة والمذهب والطائفة وعلى مشاهدة صورالحروب والموت وحتى آذانهم تربت على سماع صوت القنابل والصواريخ وأغاني الحرب وتمجيد القائد الضرورة!! بدل أن تتربى على سماع الموسيقى الراقية والأغاني الجميلة والعذبة وأغاني تحكي عن حب الوطن، في ظل غياب واضح للدولة منذ فترة النظام السابق وحتى الان، في كيفية وضع سياسة لأعادة بناء الأنسان بناء صحيحا يقوم على المثل الأنسانية والقيم الأخلاقية العالية في محاولة للحد أو تشذيب طبائع هذه الأجيال من حالة الأضطراب والتشويش الفكري والنزعات المريضة والتي سببتها وخلفتها لهم تلك الحروب والأزمات والحصار الذي فرض على العراق. ولكن الشيء المؤلم أن هذه الأفكار والنزعات المريضة تعمقت وترسخت وزادت أكثر من بعد سقوط النظام السابق؟!، بسبب من توجهات بعض الأحزاب السياسية, فأنفتحت كل سبل الحياة ورغيد العيش أمام الجهلة والأميين وأنصاف المثقفين والمتعلمين! حتى غصت بهم كل مرافق الدولة ووزاراتها ومؤوسساتها فصار الكثير منهم رؤوساء للعديد من دوائر الدولة ومؤوسساتها !!. (أحد مدراء الدوائر الذي ضحكت لهم الأقدار والظروف من هذه النماذج والذي أصبح مديرا عاما لأحدى دوائر الدولة، طلبت منه سكرتيرته أن يؤشر(يهمش) على البريد فكتب عبارة (همشت!!) وهذه ليست قصة مختلقة أبدا بل قصة حقيقية! يعرفها غالبية العراقيين وخاصة موظفي الدوائر. أما الشريحة المثقفة والمتعلمة والتي تنبذ مثل هذه الأفكار والمفاهيم فقد وجدت نفسها بأنها هي الوحيدة التي تسمع صدى صوتها فقط!! فلا أحد يسمعها غيرها!، بحكم صورة هذا الواقع الأجتماعي المرير ومشهده المتسم بالتخلف فأضطرت للأنزواء جانبا مكتفية بحرق أعصابها على ما تشاهده وعلى ما يجري بقلوب دامية!!، بعد أن صارت على يقين تام بأنها لا قبل لها بهذا الصراع أمام الغوغاء والجهلة والعشائريين وأنصاف المثقفين والمتعلمين الجدد الذين شغلوا الكثير من ميادين الحياة العراقية وغالبية دوائر الدولة ومؤوسساتها ، ليس لضعف في تلك النخب المثقفة!! ، بل لأنهم لا يمتلكون أصلا أية أدوات لهذا الصراع المتخلف العشائري والقومي والطائفي والمذهبي، وأيضا لأنهم أي المثقفين لا يعرفون وحتى لا يفقهون التعامل بشعار( أن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب!!) ذلك الشعار الذي يعبر عن صورة المشهد العراقي الحالي بكل تفاصيله !!. ولأن الأنسان هو أبن بيئته التي يعيش فيها لذا صار الكثير من العراقيين، ومع الأسف ميالون الى الفوضى والهوسة! وعدم أحترام النظام والقانون ويسخرون من شيء أسمه الثقافة والمثقف!!. وليس من باب التشاؤم أذا قلنا ان كل مفردات ومظاهرحياتنا اليومية التي نعيشها والتي ننام على همومها ونصحوا على هموم أكبر وأكثر منها لا تعطينا أية بارقة أمل بأننا حتى في المستقبل القريب سوف نخرج من النفق المظلم والمستنقع الآسن والمليء بالتخلف والجهل والأمية والعشائرية الذي كتب علينا أن نعيش ونحيا فيه منذ عقود طويلة وما زلنا!. أن الشعوب والحكومات هي التي تخلق وتصنع الحياة ولا أعتقد أننا وحتى في المستقبل البعيد نستطيع أن نخلق ونصنع ذلك!!. وفي هذا السياق وجدت من المناسب أن أنقل موضوعا قرأته: كتب في مجلة التقدم العدد 4 في 21/ 7/1945 عنوانه (طريق النجاح) يقول الموضوع :: أن رجلا قال لصديق له عرف عنه الثقافة والمعرفة والميل الى الدرس والبحث والكتابة وهو يحاوره ( أراك قد أنصرفت عن البحث والدرس والكتابة فما أراك تحمل كتابا أعتدت أن تحمله من قبل ولم أقرأ لك شيئا تكتبه منذ زمان.فأجابه صديقه المثقف قائلا: لقد بعت كل ما أملك من كتب من غير ما حاجة الى ثمنها! لأني رأيت الأميين والجهلة وأشباههم تنفتح أمامهم الأبواب، فأردت ان أتشبه بهم لعلي ألقي بعض ما يلقون من نجاح!!) الى هنا أنتهى الموضوع. وأنا أقول: ما أشبه البارحة باليوم!!.