23 ديسمبر، 2024 1:25 م

أنا ورجال الدين

أنا ورجال الدين

لا أهتم ولا أكترث مطلقا عندما أجد من ينتقدني حين أسخر من رجال الدين وأزدادُ فرحة يوما بعد يوم عندما أجد من ينتقدني لأني أشعر بتفردي بـ ( تفكير نوعي مميز) ومعي القليل من العقول الواعية عن باقي العالم وهذا ما يجعلني أشعر بسعادة واحباط ، السعادة لأني اشعر إنني خارج المألوف ولست مثل باقي الناس إذ جلهم لا يفهمون ماهية رجل منافق يلبس عمامة ، وأشعر بالإحباط لأني أقول إن الزمن الذي سنصل إلى ما وصل اليه التنويريون طويل وبعيد وشائك وهذا يعني بالمجمل نحن بعيدون عن التنوير الفكري ومن كان بعيدا عن التنوير الفكري هو بالضرورة قريب من ( الوصاية ) الوصاية أقصد أن من يتبع رجال الدين بلا عقل كأنه فاقدا للشرعية العقلية ومسير لا مخير فهو قد وضع الوصاية على نفسه وسلم زمام أموره بيد رجال الدين فلا يعتقد إلا بصدق قولهم حتى وإن كانوا مخطئين ولكنه يعتقد جاهلا أن الخلاص من عقوبة الله تتجلى بتسليم الأمور بيد هذه الشلة فهو بهذه الحالة  ساهم دون أن يعي في استفحال الخرافة وفي تحجيم العقل وجعل من نفسه إنسانا مسلوب الارادة، لقد أصر رجال الدين على التمسك بالجهل فهم يرون بالجهل مولدا للآراء الكاذبة التي يروج لها هؤلاء الرجال ومعهم الساسة في محاولة منهم للسيطرة على الشعوب ، فالجهل يضرب غشاوة على مستديمة على عقول الناس ويحول بينهم وبين التعرف على حقوقها وادراك قيمتها والدفاع عنها ، إذ يجعلها تنخدع بالتعاليم الكاذبة ويغل أيدهم ويفرض عليهم نير الطغيان ولحد الآن هناك بعض الشعوب تعتبر رجال الدين هم ظل الله في الارض وهنا لا يسعني إلا أن أنقل قول الخميني أو لنقول حكمته التي يراها ركن من أركان المسلم أينما وجد ( الراد علينا كالراد على الله ) إذ بحثت في الكثير من الكتب وتقصيت وسئلت الكثير من رجال الدين المتبحرين عن مقولة للمصطفى (ص) تشابه مقولة الخميني فلم أجد مطلقا هكذا خزعبلات وسرد فارغ أجوف .

إن الشعوب التي تفتقر للمعرفة هي مجرد فريسة سهلة وأبدية للأشرار الذين يحكمونهم ، وهذا الشعب مادام لا يفهم ماهية الحرية ولا يعرف شيئا عن الطغيان يعطي المجال للمستبدين أن يبقوه في حالة العبودية كما في العراق حاليا ( عمائم ملونة ولحى كثة وسبح ومحابس وجبهة في منتصفها جلد متقرن أسود من أثر السجود الكاذب )، فحماقة الشعوب تخدم رجال الدين دائما وليس بإمكانها بلوغ هدف نبيل كإسعاد الناس بوسائل قذرة فكيف لنا أن نحصل على سعادة البشرية من خلال تسلط رجال الدين على مقدرات الشعوب ، بالتأكيد لا نحصل على هدف نبيل من وسيلة قذرة .

نحن الآن نعيش نفس الفترة التي عاشها الإنسان القروسطي قبل قرون قبل أن يتحرر من الوصاية وكما يبدو لي أن الشعوب الإسلامية التي تعيش بالوصاية لا يمكن أن تتحرر من هذه الوصاية لأن في تحررها اضعاف لمكانة رجل الدين وكشف عورات الكثير منهم التي هي مغطاة بأوراق الدجل والكذب فلا بد من هبوب عاصفة التنوير التي ستكشف العورات العفنة لتظهر شمس الفكر المتنور وتحرق خفافيش الظلام (رجال الدين) وتنجلي ظلامية العقول الديناصورية .

لقد وصف المفكر والفيلسوف الفرنسي مونتسيكو حقيقة دجل رجال الدين حين أعتبر أن البابا ( صنم بال) معتبرا إن التدين هو الالتزام بالقوانين والاهتمام بالإنسانية وعمل الخير وحب الناس والايمان الصادق بالله وليس الالتزام الأعمى بالطقوس الفارغة والتي يجهل أغلب الناس معناها الحقيقي بل انها مجرد طقوس متوارثة لا قيمة لها في ميزان العقل بل انها ذات قيمة في ميزان التقاليد البالية .

أتساءل في نفسي عندما أختلي بها وأقول أن أي معجزة ربانية ليست غريبة أو صعبة على الباري عز وجل وبالإمكان أن يعيد الروح في جسد أحدنا برمشة عين ولو أعاد الله الروح في جسد الإمام الحسين ( ع) ماذا سيحصل حين يتفطر القبر ويخرج الإمام بدمه ولحمه من الصحن الشريف ، لا أستطيع تخيل هذا الأمر ليس انتقاصا من قدرة الباري بل إنني أتوقع ماذا سيحصل من إنذار مشدد واستنفار عالي الدرجة في مكاتب المرجعية وكيف ستكون السيوف والسكاكين والمفخخات والكواتم والرشاشات والقامات والعبوات بانتظار سبط رسول الله حينها استغفر ربي وأترك هذا التأمل وحلم اليقظة وأعود للواقع المرير الذي يعيشه هذا الشعب واشاهد واسمع التفنن بالوصاية فكل يوم يزداد طوق الوصاية قوة وبأس وكل يوم أشعر بابتعاد العقل عن الشعوب الإسلامية وكبر البعبع الصنمي في عقول وقلوب هذه الشعوب .

الدكتور فرج فودة أحد المثقفين المصريين قتل بسبب موقفه الداعم للعقل وانتقاده المنطقي العلمي لتسلط رجال الدين على رقاب البشر والمضحك المبكي إن القاتل حين وقف أمام القاضي في المحكمة دار بينهم الحديث الذي ينم عن غباء مطبق فحين سئل عن سبب قتله لفرج أجاب  القاتل إني قتلت فرج لأنه كافر بعدها جاء السؤال من القاضي وكيف عرفت أنه كافر ومن اي من كتبه عرفت أنه كافر حينها جاء الجواب من القاتل أنا لا أعرف اقرأ ولا أكتب وليس هذا فحسب وانما هناك شواهد مخجلة بحق الانسانية منها سحب الشهادة العلمية من الدكتور الاكاديمي المتخصص في فقه اللغة العربية ( نصر حامد ابو زيد ) ونُفي من وطنه وحكم عليه بالردة وأمر بتفريق بينه وبين زوجته لأنه تجرأ ووضع أطروحة في ( نقد العقل الديني ) وحتى طه حسين لم يسلم من الملاحقة إذ استنتج من خلال كتابه المثير للجدل ( في الشعر الجاهلي ) أن هذا الشعر كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين فتصدى له العديد من علماء اللغة والفقه والكثير من علماء الازهر مما أضطر مجبرا أن يُعدل أسم كتابه إلى ( في الأدب الجاهلي) مع حذف الكثير من المقاطع التي أخذت عليه ، وليس بعيدا عنا كيف تم سحب الشهادة العالمية من الشيخ علي عبد الرزاق بعد أن ألف كتابا أسماه ( الإسلام وأصول الحكم ) .

للأسف في عالمنا الفكري لا علم ولا تعلم إلا من خلال المنظومة الصارمة لها طريقين لا ثالث لهما الأول طريق مرسوم سلفا من قبل المختصين الأجلاء والثاني أن نترك هذه الباب جملة وتفصيلا ونذهب لنفتح لنا حانوت نرتزق منه أما إن فكر أحدنا بطريق آخر فالويل له وخصوصا إن كان طريقا نناقش من خلاله المنظومة الفكرية الدينية الكلاسيكية والسبب لانهم لا يرغبون بعقل نير لان العقل النير سيهدم الكثير من الخزعبلات التي توارثوها وفيها الكثير من المنافع الشخصية وهم وجه آخر لقريش حينما حاربت الرسول الأكرم بعد أن تيقنت أن دعوة الرسول هي تقليل المنافع الشخصية ولمكانتهم الجليلة واليوم يعاد التاريخ ولكن بطرق أخرى من خلال الشعائر الخاوية التي أغلب المؤيدين لها لا يعرفون التفسير المنطقي لهذه الشعيرة . 

عمان