19 ديسمبر، 2024 2:23 ص

أنا..وجاري..والعراق ..!

أنا..وجاري..والعراق ..!

في منتصف الثمانينات من القرن الماضي كان عمري حينها لا يتجاوز الثالثة عشر؛ وكانت روح الطفولة تسري في جسدي مع همسات المراهقة تلاعب مخيلتي رغم ذلك الصراع الجميل في داخلي كنت دائما أسير بخطى الواثق من نفسه .
كان لدينا جار لا يفصلنا عنه سوى حائط بسمك أربعة انج ؛ الملقب أبا غائب (رحمه الله)   عصبي المزاج  وشديد اللهجة مع الأطفال المشاكسين  القريبين من عمري؛ ولكن كان يتعامل معي بطريقة مختلفة عنهم  كنت اشعر بحبه لي وتقديره رغم صغر سني ؛ وأنا  كنت أتعامل معه بالود والاحترام  المتبادل .
كنت اشعر  بحزنٍ عليه في داخلي ؛وذلك لإحساسه  بالنقص والضعف  إذ  لم يرزق بطفل يملأ له حياته  مما  ولدَ لديه حالة غريبة في تعامله مع الناس!! إذ كان صارماً مع الأطفال المشاكسين ؛ وهم يرونه متسلط ومستبد وقاسي وإنا أراهُ من الناحية الثانية انه مظلوم  لم ينصفه الزمان مثل كل أشقاءه من ناحية الأطفال ؛ كي يكونوا له سنداً أو يداً حنون تحمله يوم تجور فيه الدنيا ؛ ويصبحوا له سداً منيعاً لو شعر بالخطر يوماً  من أجل هذا كنت أتعامل معه على انه ليس جاري بل مثل عمي لا بل مثل والدي؛ لهذا كان يقدرني كثيراً ويحبني لأني كنت أتعامل معه بصدق النية رحمك الله يا أبا غائب.
اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود  أجد أن الزمان يعيد نفسه ؛وتعود قصتي من  جديد مع جاري (رحمه الله) ؛ولكن هذه المرة مع من هو أغلى من جاري ومن أهلي وروحي أنه العراق الذي يمرّ بنفس الإحساس بالظلم ؛الذي كان يشعر فيه أبو غائب منذُ ثلاثة عقود  ألا إن جاري كان (بأمر الله) أن لا يحظى  بأبناء ؟؟ وأما العراق  فكان بأمر أبنائه أن يظلم !! الذين تربوا فيه ومن خيراته أيهما  هو المظلوم ؟ هنا أقول أن أبنائه  الذين درسوا وتعلموا  وأصبحوا من كبار العلماء  والأطباء والأساتذة تركوه يعاني  ؛وهو بأمس الحاجة إلى يدٍ حنون تحمله لان الزمان قد جار عليه حين تركوه ؛ إذ كان ينازع وينظر إليهم ويستجير وما من مجيب مازال ذالك الأب العملاق ينازع وهو على أمل إن يستجيب له أبنائه الذين جلسوا في عروش الطغيان ؛ولم يهزهم إي نداء  والذين هاجروا بعيداً ينظرون إليه على انه الأب القاسي  والمستبد رغم أنهم عاشوا في خيراته ؛ وتعلموا من علمه  يحز في    قلبي أن تموت أنت يا عراقنا الموحد .
  (رحمك الله يا أبو الثلاثين مليون نسمة ) ؛ حين يكون هناك (عراق الغرب وعراق الجنوب وعراق الشمال)  لا سامح الله ؛ومن ثم نقول كان هناك بلد ٌواحد ؛ولم يبقَ سوى الذكرى لهذا البلد  وهو يسمى أبا الرجال..!!  
دفنتَ ربيــع عمرك في بلادٍ      لهــا طالت لياليك القصارُ‏
إذا لم تحوِ تربتهـا حجــارا     فبين ضلـوع أهليهـا الحجارُ‏

أحدث المقالات

أحدث المقالات