23 ديسمبر، 2024 3:16 م

أنا وجاري والحصان !

أنا وجاري والحصان !

في عام 1989 شاءت الأقدار أن أشتري بيتاً بمنطقة متواضعة السكن ، رغم أن البيت كان جديد البناء ، ولم يكن عندي ما يكفيني كي أشتري بيتاً غيره بمنطقة أفضل ، وتلكم هي قسم الدنيا .. يهب الله من يشاء أكواخاً ويهب من يشاءُ قصورا.
والحالة هذه ؛ فعند أول ليلة نامت فيها عائلتي المستبشرة بسكن (ملك) لا (إيجار) لم تنم عائلتي ولم أنم أنا .. رغم متاعب التحوّل ونقل الأثاث المرهقة ، والتي كان من المتوقع أن يخلد بعدها المتعبون إلى النوم الأكيد بعد العناء الشديد، إلا أننا لم ننم ليلتها إلى الفجر، حتى انطلق جارنا بحصانه المربوط على العربة الخشبية لعمله اليومي ، كحمّال ينقل الخضار من العلوات الشعبية إلى محال البقالين في الأحياء ، ويبدو أن حصان جارنا كان متخماً بأوراق الثوم والبصل التي كان جواداً جداً في طرح مخلفاتها الغازية طوال ساعات الليل الصيفي !!!
تطوّرت الأحداث في العراق ؛ وحدثت مستجدات التطوّر في الكسب الربحي السريع ، ما جعل جارنا يستبدل عربته والحصان بعربة وتركترعنتر، يستعملها لنقل قناني الغاز ، ويؤويها أمام بيته ليلاً ونهارا كل يوم وعلى مدار السنة ، كان ذلك بعد أحداث السلب والنهب في عام 2003،رأيته بأمِّ عيني ينقل بعربته الأولى الأبواب الصاج والإطارات والكاشي الفرفوري والمرمر والتأسيسات الصحية من المخازن الحكومية التابعة لوزارة التجارة إلى أسواق الحواسم المنتشرة هنا وهناك .. بين سيارات السترايكر والدبابات الأمريكية ببغداد الحبيسة .
قناني الغاز التي تتنفس غاز الـ H2S لا تختلف رائحتها عن غاز الـ h2s الذي تطرحه مؤخرات الخيول ليلاً ونهارا .. الفارق بين المخرجان .. أن المخرجات من أفواه قناني الغاز تكنولوجية الأداء ، وأن المخرجان من مؤخرات الخيول فسيولوجية الأداء، والأنف البشري هو الأنفُ ، الذي لا يميّز بين رائحة هذا الغاز حسب حاسة الشم البشري ، إلا أنه يحس بذات الإحساس في الحالين .
الوهابيون وكما هو معروف قد ورثوا الحقد الدفين ضد الحضارة الإسلامية من أسلافهم الطغاة والخوارج الجهلاء فكانوا المثال الصادق للجهل والظلم والفساد فقاموا بتهديم قبور بقيع الغرقد مرتين:
الأولى عام 1220هـ كانت الجريمة التي لا تنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
ثم عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344هـ وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعّاظهم . فأصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.
اليوم ؛ وبعد أن تفنن الوهابيون وساستهم وسائل متطوّرة للأذى والوقيعة بأتباع آل بيت رسول الله (ص) ومحاربتهم .. وتمادوا أكثر؛ بالتطاول على كل ماهو مقدّس لدى المسلمين .. من أتباع آل البيت(ع) وغيرهم .. سنة أو شيعة .. مسلمين أو مسيحيين .. أيّاً كان ، المهم لديهم ؛ هو تهديم وتحطيم الكيانات المقدّسة لدى المؤمنين بالمقدّسات من بني الإنسانية ، كي يبقوا على الأرض وجودهم المقيت .
جريرتنا ـ نحن العراقيين ـ أن شاءت الأقدار أن يسكن أهلنا بلاد وادي الرافدين .. أن تكون المملكة العربية السعودية جارتنا .. أن يكون آل سعود يوماً أداة تنفيذية لهامفر ومخططات الإدارة البريطانية في السيطرة على العالم ، ومن ثم ؛ ضداً للدولة العثمانية المتحالفة مع ألمانيا الهتلرية النازيّة ، ولا ذنب لنا ـ نحن العراقيين ـ سوى أننا قد شاءت أقدارنا أن نسكن وجارنا تركيا مرّة ، ونسكن وجارنا آل سعود الوهابيون أخرى !
ويبدو أن الداعشيين  ـ الوهابيين الجدد ـ مولعون بغاز الـ H2S دائماً ، بحيث سارعوا إلى إحتلال مصافي بيجي ، وحاولوا أن يغزو مصافي وآبار كركوك العراقيتين ، لولا أن الكرد زاحموهم عليها ، لا لأجل حماية الأرض الوطنية من الداعشيين الوهابيين الجدد ، ولكن؛ لكي لا يكون غيرهم طارحاً لغاز الـ h2s دونهم!!!
أما أهلي العراقيون ؛ فنصيبهم مما يُطرح في فضاء العراق الجديد ، لا يختلف عن نصيبي مما ألاقيه من جاري . والله من وراء القصد ؛؛؛