17 نوفمبر، 2024 11:16 م
Search
Close this search box.

أنا طائفي … ولكن !!

أنا طائفي … ولكن !!

في اللغة العربية كما في غيرها من اللغات العالمية ، هناك الكثير من المفردات التي لا تحمل إلاّ معنىا”واحدا” ولا تحيل إلاّ لدلالة محددة ، بحيث لا يمكن استخدامها في غير مقصدها الأصلي ودلالاتها المخصوصة ، مثلما لا يجوز تأويلها في غير ما توحي به من انطباعات ضمن سياق ورودها في الخطاب . بيد أن هناك مفردات أخرى تشتمل على أكثر من معنى وأكثر من دلالة ، بحيث يعتمد المراد منها على غاية الجهة / الشخص المتلفظ بها والمستخدم لها ، الأمر الذي يمكن اعتبارها حمالة أوجه من حيث مطاوعتها للتأويل والتفسير . ومن جملة تلك الكلمات اخترت هنا أكثرها إشكالية في ثقافتنا العربية والإسلامية تحديدا”، وذلك ليس فقط بسبب كونها قابلة لأن تعطي المعنى والمعنى المضاد في نفس الآن فحسب ، وإنما لخبث تفسيرها وإساءة استخدامها من قبل أصحاب المذاهب الفقهية ، طمعا”في تكفير بعضهم البعض الآخر وتبرير قتل بعضهم للبعض الآخر ، منذ تاريخ حادثة السقيفة ولحد هذه اللحظة حيث الموت يحصد الجميع باسمها وتحت رايتها ! . ولأني لا أروم التقصي عن جذر هذه المفردة اللغوية والبحث عما تضمره من اشتقاقات ، بقدر ما أتوسم التعبير عن فهمي المتواضع لمعناها ودلالتها ، ومن ثم معالجة الموضوع عبر هذا الفهم ومن خلاله . وبحسب الفهم الشائع والمتداول بين عامة الناس فان المعنى المباشر لعبارة / كلمة (طائفي) غالبا”ما تحيل إلى صفة الشخص الذي ينتمي إلى طائفة دينية / مذهبية معينة ، في حين إن هذا المعنى الملتبس ليس بالضرورة أن يكون هو المعنى الوحيد الذي يمكن اعتماده لتفسير كلمة (طائفي) ، وبالتالي إسباغ تلك الإيحاءات السلبية التي تلصق به وتضاف إليه . نفس الشيء بالنسبة لكلمة (مذهبي) حيث يمكن أن يشير إلى أي معتنق لمذهب فلسفي أو سياسي أو إيديولوجي ، دون أن تقتصر على دلالتها الدينية / المذهبية فقط ، كما يراد لها أن توحي في الخطابات الدينية عادة . وهكذا يمكننا استخدام كلمة (جماعة) أو (فئة) بدلا”من كلمة (طائفة) وبالعكس ، للإشارة إلى كيانات اجتماعية تمتلك خصائص معينة ، دون أن ترتبط دلالتها بمعنى ديني / مذهبي بذاته ، وهو ما يؤكد عليه النص القرآني صراحة ( وان طائفتان من المؤمنين .. الخ) ، فهو ينأى بها – ليس بدون سبب – عن أي تلميحات أو إيحاءات مذهبية معينة ، باستثناء تلك التي تشير إلى حمولاتها الاجتماعية والسياسية كما نصطلح على تسميتها اليوم ، طالما إن (الطائفتان) المشار إليهما في النص تحملان صفة (الإيمان) بالمعنى الديني وليس المذهبي / الطائفي ، كما سيتم خلطهما بتعمد واستغلالها ببشاعة في الصراعات المذهبية / الطائفية اللاحقة . وعلى أساس ذلك فاني استعمل هنا كلمة (طائفي) بمعنى الشخص الذي ينتمي إلى (جماعة) أو (فئة) اجتماعية خاصة – وليس يمعنى مذهبي / ديني كما هو الرائج في المناكفات والسجالات – تحمل تصورات فكرية وثقافية مختلفة تأمل أن تكون هي الأنفع للجماعات بصرف النظر عن تنوع مذاهبها ، ولديها تطلعات إنسانية متباينة تتوخى أن تكون هي الأفضل للمجتمع بصرف النظر عن تعدد مكوناته . وحين أقول إني (طائفي) فلست أريد أن أشاطر أولئك الذين يتعصبون لجماعتهم المتطيفة حقا”أو باطلا”ضد الجماعات الأخرى ، ويتطرفون لمذهبهم المتطيف حقا”أو باطلا”ضد المذاهب الأخرى ، ويمارسون العنف الهمجي ضد أقرانهم من البشر لمجرد أنهم يولدون في جماعة مذهبية أخرى ! . أنا (طائفي) لأني انتمي إلى ذلك القسم من الإنسانية التي تنظر إلى البشر على أنهم أخوة ، لا فرق بينهم على أساس الدين أو المذهب أو القومية أو الثقافة أو المعتقد ، لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات . أنا (طائفي) لآني انتمي إلى ذلك القسم الإنسانية التي يؤلمها رؤية إنسان يموت بسبب المرض أو الجوع أو العنف ، مثلما يحز في نفسها قطع أشجار الغابات المطرية لإغراض التجارة ، وتلويث البحار والمحيطات واستنزاف ثرواتها السميكة بلا تحسب . أنا (طائفي) لأني أنتمي إلى ذلك القسم من الإنسانية التي تمقت التعصب بكل أشكاله ، وتدين التطرف بكل أنواعه ، وتلعن العنف بكل صنوفه . أنا (طائفي) لأني انتمي إلى ذلك القسم من البشرية التي تريد أن تعيش بسلام بعيدا”عن مظاهر الخوف من المجهول والهلع من المعلوم ، مع ضمان بحرمة الكرامة الآدمية وحق التمتع بمباهج الحياة . أنا (طائفي) لأني أنتمي إلى ذلك القسم من الإنسانية التي تبحث عن كل ما من شأنه تحقيق السلام والأمن بين أوطانها وبلوغ الاستقرار والتطور بين شعوبها . هذه هي (طائفيتي) أيها الطائفيون الأغيار ! . فلماذا تفرضون علينا خياركم العبثي وترومون اغتيال أحلامنا البريئة ، لمجرد أن (طائفيتنا) تكرم الحياة وان (طائفيتكم) تمجد الموت ؟! . أتركونا ، بالله عليكم ، نعيش بسلام ، فلكم دينكم ولنا ديننا !! .

*[email protected]

أحدث المقالات