18 ديسمبر، 2024 5:51 م

من العنوان سيطرأ في ذهنكم إن فرعون قال أنا ربكم الأعلى وهذه الجملة وردت في سياق آية قرآنية، كانت تتحدث عن قصة نبي الله موسى عليه السلام، وفرعون مصر، الفرعون الذي طغى وقال للناس ” أنا ربكم الأعلى “.فرعون الذي فرض قوانينه وشرائعه وأفكاره على الناس وقد خلد جسده ليكون عبرة لمن لا يعتبر وجسده موجود في المتحف المصري يمكن رؤيته وهنا سؤال يفرض نفسه هل مات فرعون حقا ..؟ وكم فرعون خلف وراءه بعد موته فالطغيان الذي اشتهر به فرعون خلد صورا عصرية كثيرة حينما يكون للمدير طغيان والحاكم طغيان والرئيس طغيان وصاحب القرار طغيان فما الفرق بين طغيان فرعون والطغيان العصري ..؟ في كل صورة حياتية عصرية تظهر عبارة ” أنا ربكم الأعلى ” عندما اسمع أحداث الموتى وارى صور المهاجرين الغرقى واللاجئين الحيارى عندما أقرأ قصص الأرامل والثكلى وطغيان البؤس وقهر اليتامى حينما أرى القتال على المنصب على الكرسي حينما أرى دويلات داخل دولة وكل دويلة ترفع راية ” أنا ربكم الأعلى ” حينما ينتشر الفساد الإداري والثقافي والتربوي والصناعي والتنموي والجهل والخراب والدمار وميزان العدل أعمى والتربية عقيمة والأخلاق في خبر كان كل من هذا الطغيان يجسد صورة فرعون الذي يقال إنه مات ..!!
من تناقضات الوجود واللا وجودية والأزل واللا أزلية ومن ثم السيطرة واللا سيطرة والقوة واللا قوة وفرض القوانين والرغبات من اجل هدف وغاية ما … تعتلي هاجس العقل الباطني للتحكم على الآخر..بطريقة فينجلي حديث .. أنا …وتكبر في لجة خضوع وإذلال وضعف وانكسار الآخر لا يمكن تجريد ال ” أنا ” فلها الحق في الوجود والامتياز والطموح والحلم والقيادة والإبداع في نفس الوقت طغيان ال .. أنا.. لها شر كبير… قد تكون الوسطية لها الأثر القوي في تمكين ما هو أفضل لل أنا وللٱخر
الفراعنة وطغيانهم العصري مازال يكثر وينتشر والسؤال من أين سيأتي موسى ويوسف لينشر العدل يوحد العقول ويحيي الضمائر ويعلو شأن الإنسانية ..؟
أول دكتاتور في تاريخ البشرية فرعون الذي طغى ولهذا يقال لا تتفرعن كل فرعون الآن يحسب إنه الأعلى والأقوى والأعظم ومصائر الناس بيده . إن فرعون كباقي البشر يصرخ ينفعل يغضب يصمت يئن يستغيث، وبعد زوال سلطته منصبه ، ينتهي هذا الصرح والملك والكبرياء، ، ولم تبقى الحاشية الفاسدة التي تزين له الضلال وتقبح له الحقيقة، حين يدركه الموت يتحول إنساناً عادياً طبيعياً، فيؤمن بعد فوات الأوان، فلا يقبل إيمانه، ويقال له:( آلآن وقد عصيت ) . وإذا عرفنا الطغيان على إنه الشر والطاغية على أنه الشرير؛ وحسبما يقول دوستويفسكي: ” يمكن فهم الشر، لكن لا شيء أكثر صعوبة من فهم الشرير “. تُرى هل يمكن فهم هذا البطش الأعمى للآخر حتى الذين يكونون في صلة قريبة للطاغية ..؟ ومن أمثلة القدماء منهم تيبيريوس وكاليغولا ونيرون . تتميز تصرفات الطغاة بالطيش والتذبذب والفوضوية والبطش لا شك تؤدي إلى نتائج مدمرة ، يظنون إن العالم والبشر خلقوا لهم ، ويحق لهم أن يفعلوا بهم ما يشاؤون يوهبون الحياة والموت لمن يشاؤون ،كأنهم أحرارا يلعبون بمصائر الآخر لكن حريتهم لم تكن إلا حرية الشر المكنون والظاهر . ولابن خلدون رأي أخر ” لو خيروني بين زوال الطغاة وزوال العبيد لاخترت بدون تردد زوال العبيد لأن العبيد يصنعون الطغاة ” .
حمى السلطة، ولهيب الشهوات والرغبات والأملاك والصروح والجنان ، وقوة البدن، وشياطين الإنس والجن، كلها أسباب قد تدفع المرء إلى أن يقول ( أنا ربكم الأعلى ). وهنالك من لا يقولها بلسان مقاله، ولكن يقولها بلسان حاله، وهذا ربما يكون أسوأ حالاً من الأول، ناسياً أو متناسياً أنه ميت بعد حين، وأن الرب لا يموت .
نتحدث عن الطغيان والإنسان يا له من حديث أجبر الأمم المتحدة التي تحمي الإنسانية أن تقر في وقت الحرب السماح بالتعرض للسفن والقوافل التجارية كجزء من المعركة وأن تعطي ضوءا أخضر للحرب علينا أن نفرق بين القوة التي تغري بالطغيان والقوة التي تحمي الحق ،الإنكليز تتباهى وتفتخر بتشرشل هل كان بريئا يوزع الورد ..؟ وفرنسا ما زالت تفتخر ب نابليون هل كان ملاكا يوزع الرحمة بين الناس ..؟ والأمريكان تفتخر بروزفلت هل كان رسولا يحمل رسالة السلام والمحبة والمودة والأمان الذي أقام على جماجم الهنود الحمر وهم السكان الأصليين ..؟
إن الطغيان عنوان الأنانية وداء العظمة متصل بالدمار والقتل والخراب وفي العصر الحديث الكثير يعلن بأعماله وتصرفاته وكلامه ويوحي ” أنا ربكم الأعلى ” .
الخلاصة إن الطغيان والفرعنة لا تأتي من وراءها إلا الخذلان مهما طال الزمن أو قصر و ” أنا ربكم الأعلى ” التي أعلنها فرعون على الملأ ولم يعلنها فراعنة هذا الزمن علنا بل تظهر من خلال أعمالهم وتصرفاتهم وسلوكهم وإيحاء من كلماتهم لهو أشد طغيانا وقسوة من فرعون .. فمتى تعودون إلى رشدكم وترحمون أنفسكم وترحمون الناس ..؟