لكل شعب من الشعوب على المعمورة تقاليده وعاداته المتوارثة والتي تختلف عن بعضها البعض. الإختلافات الطبيعية بين الشعوب من الطبيعي أنها تولد كذلك صفات وطبائع تكون خاصة بهذه الشعوب. العارف بلغات مختلفة يكون محظوظاً أكثر من غيره في كشف الإختلافات والفروقات الجميلة التي تضفي خصوصية معينة على كل المجتمعات.
التركمان في العراق لهم تقاليد وعادات خاصة بهم. موروثهم الثقافي يكسبهم نوعاً من الخصوصية التي ينفردون بها دون الآخرين.
للتركمان أمثال شعبية مستنبطة من رحم التجارب التي مروا بها خلال تأريخهم التليد. أمثال تنطبق على واقع الحياة العامة وتعبر عنها وتنقلها بكل تفاصيلها. جمل صغيرة تحمل معانياً كبيرة كما في الأمثال الشعبية للأمم الأخرى.
من الأمثال التركمانية المثل الذي اشتهر بين التركمان في العراق والذي مفاده:
“تدعي أنك الملك وأنك السيد.. فمن هذا الذي يصول في ربوعك؟”
المقصود بهذا المثل هو كبير القرية أو ما يعرف بالآغا الذي يكون في الغالب صاحب الأرض والمتفرد بالقرار. يمتلك الأراضي ويسيطر على الواردات ويتحكم بسير الأمور ويأمر الأفراد ويمشي مرحاً متبختراً متعالياً بين الناس وكأنه يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولاً.
الناس عندما يشاهدون الغرباء وهم يجولون ويصولون في أراضي القرية التابعة لهذا الآغا، متسائلين بدهشة عن هيبة الآغا وعزته وكرامته المعهودة والمتعارف عليها بين أهل القرية. فكل هذا التفاخر والتعالي من الآغا لا يتناغم مع مشهد انتهاك حرمة أرضه وسيادته والأمر غير مألوف بالنسبة للقرويين. لذا تساءلوا مطلقين هذا القول الذي غدا مثلاً متداولاً بين العامة من التركمان يلجؤون إليه في المواقف المتشابهة.
يستوقفني هذا المثل كثيراً في مناسبات شتى وخصوصاً في هذه الأيام وأنا أشاهد وأستمع إلى المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. مثل يفرض نفسه بقوة أمام مشهد الصمت المريب للدول العربية التي تكتفي بالتنديد والشجب والاستنكار. الضمائر نائمة لا تحس بالذي يجري من حولها في بقعة صغيرة من الممكن أن تحرر بالسكاكين دون الأسلحة. السكوت المطبق للدول وخاصة المحيطة بفلسطين تدفعنا لأن نتساءل الف مرة عن دور هذه الجيوش العربية التي تهدر عليها الأموال الكثيرة والأسلحة التي تذخرها الدول لهذه الجيوش غير الفعالة. أتساءل عن الضمير الإنساني للزعماء وهم لا يحركون ساكناً رغم هول المآسي التي تنال من الأطفال والشيوخ. بنى تحتية خربت بالكامل عوائل شردت أفئدة احترقت ودراما إنسانية قلت نظيرتها والكل مكتف بالتنديد والاستنكار الذي لا يغني عن جوع.
المأساة ليست محددة بهذا فحسب، فجيش الإحتلال يفرض في الوقت نفسه حصاراً خانقاً على قطاع غزة شمل في الآونة الأخيرة حتى الماء والغذاء والدواء وغيرها من ضروريات الحياة ملحقاً بذلك أكبر الأذى بالأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة. الإحتلال كأنّه يريد بذلك الإنتقام منهم وتعويض خسارته المدويّة وفشله الكبير في المواجهات الأخيرة. كل ذلك يجري بمرأى ومسمع العالم برمته ولا رادع ولا مانع للعدو، بل هناك من يساند هذه الأعمال الإجرامية بصمته المقيت ويبرّرها بذريعة الدفاع عن النفس.
العالم كله مدعوّ للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الإحتلال عن تنفيذ مخططاته لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم وإنهاء مأساة هذا الشعب المستمرة منذ سبعة عقود والوقوف إلى جنبه لنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الإحتلال عن أراضيه المغتصبة. هذا هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة.