18 ديسمبر، 2024 3:16 م

أنا أفكر، إذن أنا موجود

أنا أفكر، إذن أنا موجود

عندما يفكر الإنسان يحقق وجوده أما عندما يتلقى المعلومة بدون تفكير و تمحيص فذلك يجعل منه و للأسف الشديد مجرد رقم و تابع و موتور في منظومة بشرية يحركها عقل خبيث بإمكانه أن يجعل من أذهان هؤلاء الأتباع قنابل بشرية انشطارية تحرق الخضر و اليابس دون وعى أو تفكير . في مثلنا الشرقي يقال ” كثر الزنّ على الأذنين بيدوش ” لذلك يمكن أن نعتبر التلقين آفة كبرى من شأنها أن تجمّد الذهن و تعيق التفكير بل يصبح التلقين أكثر ضررا عندما يخرج من ألسنة من يسمونهم عمائم الشر و أبالسة الفكر التكفيري الذين اختبرنا و كشفنا عينات منهم طيلة هذه العشرية القاحلة التي حلّت بعد 14 جانفى 2011 تاريخ بداية تنفيذ المؤامرة التي استهدفت أمن تونس و حضارتها و مستقبلها.ربّما لا يهتم الكثيرون بمناقشة مسألة التلقين كسلاح خطير لا يقل خطورة عن السلاح الفعلي أو عن خطورة الإعلام و وسائل الاتصال التي باتت تخلق الرأي العام و تدفعه دفعا أينما تريد بل أين ما يريد من يقفون وراء خطها التحريري من سفارات و جمعيات و دكاكين مخابرات و ربما هناك من لم يفهم رغم كل الشواهد و القرائن و الأدلة أن فكر التلقين قد بات الخطر الأكبر الذي يواجه الأمة العربية و يدمرها من الداخل .

حين سأل البعض الرئيس الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة لماذا توجهت في تعاملك إلى الغرب بدل الشرق أجاب بأن ذلك التصرف الحكيم قد فرضته متطلبات العصر و النموّ و المستقبل للشباب التونسي المتعطش للعلم و الدراسات العليا و هي أشياء لن يجدها في المشرق الذي يهتم بثقافة بول البعير بدل الأخذ بناصية العلوم . بعيدا عن كل شيء و بعد تجربتنا القاسية مع فكر الإخوان و فكر حركة النهضة بالذات هل يتذكر أحدكم فائدة واحدة مما صدّع به الشيخ راشد الغنوشى و جماعته من أقوال و تصريحات آذاننا طيلة عشرية كاملة و هل تبيّن من حكم الحركة أنها ستأخذ تونس إلى فضاء أرحب و أجمل و أنقى و أنه سيخرج من شعار نحن الحل و لسنا المشكلة ما يدفع الاقتصاد و النموّ إلى مراتب فضلى ؟ هل كان دعاة التطرف و الإرهاب من أمثال حمادي الجبالى و الحبيب اللوز و راشد الغنوشى و الصحبى عتيق و الصادق شورو و سيف الدين مخلوف و راشد الخيارى و غيرهم قادرين على محو ما تعلق بعقولهم المريضة من أفكار تآمرية و دعوات للفوضى و نشر ثقافة الإرهاب و ضرب الوحدة الوطنية و الاندساس في المؤسسات الحكومية لضربها من الداخل و التحوّل في لحظة إلى بناة دولة و أصحاب رؤية اقتصادية فاعلة و انفتاح على الرأي الآخر ؟ .

للمرة المليون نؤكد أن تونس تسير إلى الخلف بخطى سريعة و أن ضرب حرية التعبير و الإصرار على تسليط الضغوط ضد كل من يفكر أو يكتب أو ينتقد هو حالة مرضية لدى السلطة و إبحار نحو المجهول بل لنقلها صراحة و دون لفّ أو دوران بأن تونس تسير نحو الديكتاتورية الشاملة و فقدان المؤسسات و هدم ما تبقى من هيكل القضاء . لعل ما يحدث للسيدة عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحرّ كفيل بأن يثبت و يؤكد أن هناك من في السلطة من لا يتورع عن استعمال القضاء كأداة زجرية بدون مبرر و عندما يتم إيقاف هذه السيدة لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر دون تحقيق أو محاكمة فعلية و بشكل يتم فيه اعتماد أسلوب تقطيع الوقت و إثارة الأعصاب فمن المؤكد أن السلطة قد بدأت تترنح و تفقد مصداقيتها و سبب وجودها و بات على الشعب أن يقرر مصيرها في الانتخابات القادمة حتى يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد مرور خمسة أعوام عمقت كل الجراح و ارتكبت فيها كل المخالفات .

ربما لم تكن الثورات التي تمت في عديد الدول الغربية سلمية كما يظن البعض و سالت فيها أنهار من الدماء و استبيحت فيها الأعراض و نصبت فيها المشانق للمذنبين و الأبرياء على حد سواء لكن تلك الثورات على فظاعتها و دمويتها قد خرجت من بينها قامات فكرية تركت آثارا أدبية لن تمحى كذلك أنتجت هذه الثورات قامات من أصحاب الرأي تركوا أثارا مهمة للإنسانية جمعاء من بينها المقولة الشهيرة ” أنا أفكر ، إذن أنا موجود ” أو تلك الرسالة المحررة من الكاتب الفرنسي فولتار لأحد أصدقاءه ” أنا لا أتفق مع ما تقوله و لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله ” . بالمقابل لم تنتج ثورة تونس و ليبيا و مصر غير الكوارث و الإرهاب و القتل و غابت عنها العقول المتحررة التي تنتج آثارا إبداعية يتناولها التاريخ و المؤرخون كل ذلك لان أصحاب القلم قد آثروا الصمت و الخيانة و الخذلان في لحظة كانت العقول في حاجة لمن ينير الطريق و ينقذ الثورة من لعنات التاريخ . لقد خانت الطبقة المثقفة في مجملها شعوبها في أشد اللحظات حرجا و توارت عن الأنظار تاركة الساحة لدعاة الفكر المتطرف و بات الإرهاب سيد الموقف لذلك ستلعن الشعوب كل من صمت و لم يدافع عن الإسلام المتسامح و القيم الجميلة .