كنت صغيراً أحب أن أقرأ أي ورقة تقع بين يدي, صحيفة لا تعني لي شيئاً, أقرأ دون أن أدرك ما ألذي أقرأه, حتى صادفتني عبارة بأحد تلك الأقلام, ألتي كانوا يقولون عنها (لها فوهة واحدة مع ألبندقية), كانت أكثر عبارة أستفزتني في حياتي, (( نساء الهنود الشروكيات اللواتي يسبحن عرايا جنوب نهر دجلة)), لا أعلم لم شعرت بالأستفزاز! لم تكن لشمس الجنوب بصمة في لون بشرتي فأنا أسكن بغداد, و لم أكن أتكلم تلك اللهجة ألجنوبية, لم ألفظ ألـ(جا) ولا مرة في حياتي.
حتى سمعت ذلك ألحديث من جدي, عن أصل العائلة ألذي يعود للحلة, علمت حينها لم استفزتني, لأني أملك دم الأصالة ذاك ألذي يرق ويحن لصنفه, فأنا أبن بابل إذن, أنا أبن الحضارة.
توقفت عن الإشادة بالمنصور, وحضارتهم ألتي لم تبلغ ألألف من العمر, أنا أبن حضارة ولدت قبل أن يولد نبي بلا أب, أنا أبن حضارة شيدت قبل البنيان, شرّعت قبل الشريعة, أخترعت قبل أن تبدأ ألعقول بالتفكير.
أسقطت عني صبغتهم ألتي حاولوا أن يصبغوني بها, أنا لست منهم ولن أكون, لن أتهم من سواي بأنه دخيل, وأدّعي أني المواطن ألأصلي ألوحيد في هذه ألأرض, كما لو أن من يتهمنا بالغرباء هو اصيل فعلاً.
تاريخ جذورنا واضح كالشمس, والكورد ألذين أشاروا أليهم بالدخلاء كما أشاروا إلّينا, أيضاً معروف مدى قدمهم على هذه ألأرض, فما تاريخهم أدعياء الأصالة ؟
أقول لهم واجهوا حقيقة أنكم كبقية الدخلاء, تماماً كأمثالكم (الأمريكان), ألذين اغتصبوا القارة من قبائلها ألأصلية ليبدؤوا بقتلهم, وإستعباد الأفارقة بحجة أنهم سكان غير أصليين, كأنهم هم فعلاً السكان ألأصليين لتلك القارة, هذه سمة الدخلاء ألتي يشتركون فيها.
واجهوا حقيقة أنكم دخلاء, لأنكم لم تكتبوا شعراً للهور, لأنكم لا تستطيعون شم رائحة الخلود ألمنبعثة منه, ألممتزجة بمسك دماء الشهداء ألذين قضوا فيه, لا تستطيعوا سماع صدى وقع الملاحم في هذه ألأرض منذ خلقها.
لا يوجد ما يربطكم بهذه ألأرض, لا جذور تاريخية عميقة, ولا عواطف بين الأنسان و أرضه ألأم, هي مجرد بلد آخر سطوتم عليه, في سلسلة فتوحاتكم فأستوطنتم فيه.
قد نكون مخطئين حين نظن أن ألأمر مجرد أرض, فلكم أكمل (وطنكم ألعربي) لتسكنوه, ألأمر أبعد من ذلك بكثير, ذلك ما فضحه أحد ساستكم, حين كنتم تحاولون جمع ما تبعثر من مجموعة أفكاركم, لتدخلوها على التاريخ فتجعلونا غرباء عن هذه ألأرض.
حين وسّع ذلك ألسياسي رقعة صفة الغرباء (الهنود), من (الشروكية) أبناء الجنوب, ليجعلها تشمل جميع الشيعة, نعلم حينها أن مشكلتكم لم تكن مع (الشروكية) أبداّ, وقطعاً مشكلتكم ليست مع ألـ(جا), فحتماً مشكلتكم مع (يا علي).