19 ديسمبر، 2024 7:50 ص

أناركية موظفي السكك

أناركية موظفي السكك

تعودت منذ صغري على سماع رد اجتماعي جاهز لكل حالة كذب بواسطة جملة واحدة صغيرة ومسلية “يطير فيالة”، لا أظن أن عراقيا لم يسمع هذه الجملة من قبل، ولم تكن الصورة مضحكة له أن يفترض أن قابلية شيء ما للتصديق بقدر قابلية طيران الفيل للتصديق!

استيقظت اليوم على صور قطارات تقطع شوارع المدينة، كما لو أن هذه القطارات كانت تطير وسقطت من السماء (هل طيران القطار أسهل من طيران الفيل؟)، تقول الاخبار أن موظفي سكك الحديد عبّروا عن امتعاضهم من قطع الدولة لرواتبهم بقطع طرق الدولة، وكان التعبير ناجعا فرغم إعلان وزارة النقل عن لا قانونية الفعل، إلا أنها ستصرف رواتب الموظفين غدا كما أعلنوا في بيان آخر!

أفضع ما يمكن أن يقوم به كاتب الآن هو كتابة مقال في صحيفة، أفكر أن المقالات في زمن الفوضى صار مكانها الجدران، وهذا ليس جديدا على الاطلاق، الكثير من الحركات الثورية تستخدم فن (الغرافكس) أو الرسم/ الكتابة على الجدران، علينا أن نكون أناركيين كما موظفي السكك، وسيصغي العالم بسرعة رهيبة لما نكتب، لأننا سـ (نطير) القول بكتابته هكذا!

قال أبو نؤاس ذات يوم : “وداوني بالتي كانت هي الداء”، لكن داء الأناركيين لم يكن الفوضى، هم عالجوا النظام المنتظم أكثر من اللازم والمتعارف عليه اصطلاحا بالمستبد، ويجدر القول هنا أن الاستبداد حالة متقدمة من التنظيم، تدفع المؤسسات ومن ضمنها المجتمع للالتزام بقواعد وضوابط صارمة، وتعمل هذه القواعد والضوابط على تضييق سعة الحريات قدر المستطاع لغايات عدة أهمها انعدام الثقة بالمجتمع، لذا يقوم الأناركيون بصناعة نقيض النظام (الفوضى) أو باصطلاح اكثر عاطفية (الثورة) لأجل تقليل أثر النظام أو إزالته.

أعود إلى دواء أبي نؤاس، فداء العراقيين اليوم هو الفوضى، ولا سبيل لصناعة نقيض له، وكل الحراك المدني المتمثل بالتظاهر والاعتصام والمطالبة، يبدو لي أشبه برجل يطلب من مختل عقلي أن يرتدي ربطة عنق على قميصه ويحسن صناعة عقدتها، لكن موظفيي السكك كانوا عباقرة، واستذكروا ابو نؤاس بطريقتهم الخاصة، وكانت ناجعة.

لن تعود عبارة “يطير فيالة” مضحكة لدي بقدر ما هي محرّضة، من يود تغيير شيء ما في هذه البلاد، عليه تطيير الفيل ورميه من أعلى نقطة ليزلزل به الارض، وأن يدعو لذلك بمقال يكتبه على الحائط.

أحدث المقالات

أحدث المقالات