رحلت بشراع ذاكرتي المحتضرة ، لأرياف العمارة ، والتي تشابهت في الجملة مع كل أرياف العراق العظيم والغني بتنوعه ،،،
ووجدت قلمي ساجد أمام الصورة التي مثلت أمي وخالتي وجدتي ،،،
وأعني تلك الصورة للمرأة التي كانت عمود البيت والشريك القوي والمناضل وهي تلبس ذلك الچرغد والوزرة التي تجعل منها مقاتل في وجه الظروف التي توجه زوجها !!!
وهن خليط يعجز قلمي الباكي بحضرتهن ، وأنا أراها بعين الذاكرة التي تساعدها الجفون على أنتزاع روحها مع الدموع التي بكت ذاك العالم البريء ،،،
وأنا أستعرض صفات جدتي التي هي الريفية وفياض نهر حنانها ليتعدى شطأن المحافظة والقرى ، وكأنها ماثلة الصورة أمامي يوم يخبرها
( الطارش ) أي الذي ينقل الخبر ، بأن فلان أبن فلان مات أو مريض ، لتسمع صرخة تصك المسامع وأنتحابة لا تقال ألا على عزيز القوم أو الولد ،،،
وتتلاحق منها سيل الكلمات المربكة ( شلون وشبيه أمس شفته أو شفت أمه ) لتنهال بضرب الخدود مرددة يمه يمه ولك شلون !
نعم أحبتي بهذا الوصف الدقيق !
وتحمل من الشعور ما فاق كل شعور الحداثة والتمدن والحضارة ، ولعل بهذه القصة تعرف مرامي أيها اللبيب ،،،
في قريتنا الطينية والتي يحجبها عن النهر من قرى علي الشرقي / العمارة سدة ترابة تعلو 7 الى عشرة أمتار لتحمي القرية من الفيضان وهي الشارع للسيارات النادرة ، وملتقى الشباب قبيل كل غروب شمس ، حيث منظر الزروع جدائل حسناء تنساب مع النسيم ، محدثة موجة راقصة على رؤوس الزرع ،،،
وكان الوقت منتصف الليل ، والشتاء قارص البرد ، والهواء يخلع أعمدة السقف ، وصفير أصتدامه باعمدة البيت كأنه صفارة الأنذار أو محركات الطائرات ،،،
وكنت وقتها نائم عمري 7 أو 8 سنوات ، وأذا بها توقظ جدي وتقول له أسمع صوت زامل ولدها المسافر وقتها ، عبر النهر والشط الكبيرالذي يبلغ عرضه وقتها بأيام الخير 150 متر أذا مو أكثر زيد عليه بعد البيت الذي ننام فيه حوالي نصف كيلوا أقل أكثر ،،،
نكر جدي وأستهزء بها ، وقال كلمات لا تعبر عن تفاعله ، قفزت كالمجنونة ووتتفاعل مع الصوت الوارد لأحساسها ، وخالي زامل كان طالبا بالكلية العسكرية في بغداد وقد صادف نزوله ليلا وجاء من هذا المكان الخطر أي الضفة التي تقابل القرية بهذا الجو الممطر والعاصف ، عندما حست لا أحد يصدق بها ونحن نصغي للصوت بكل مسامعنا ولا شيء يسمع بل المستحيل بعينه ،،،
أخذت تلطم وتصرخ ،،،
جلس الكل من النوم والظلام دامس لا كهرباء وقتها ، بعض أخوالي أخذوا أضاءة مصباح يعمل بالبطارية الجافة ووقفوا على هذه السدة الترابية ، وسمعوا الصوت ذاته الذي أخبرت به جدتي ، وجيء به بعد عناء طويل وصراع مع الزورق الذي تمنعه الرياح من المسير بسهولة !!!
هذا الأحساس عند عموم تلك الأنثى ، وذاك الحنان هو جبلة في تكوينها الريفي الذي لا يكتفي بحب الخير للأبناء والجيران بل منجم مجاني لأخذ الفحم الذي يحرق لها الروح والمهج ،،،
وهناك مزايا كبيرة منها حمل ثقل البيت بكله وأدارة شؤون الزرع والمحصول والماشية والزواج للأولاد والضيوف الكثر جدا ،،،
عالم مختلف ومشاعر تختلف جملة وتفصيل ،،،
والضابط زامل قتل عام 2006 بعد أن أصبح عقيد متقاعد على يد أبناء جلدته ظلما وعدوانا تلك الحملة الظالمة وأول جريمة أترتكبها بعض قيادات التشيع القاصرة عند قرائة الحدث وعدم الأستفادة وأحتواء بني جلدتهم ممن كانوا لهم الخبرات في شتى صنوف الجيش وغيره ، محافظين على البعثية الذين أخذوا منهم زمام القيادة بدون مجاملة ولا أتردد عن ذكر واقع مر أوقعنا به من ظن أنه النطاسي الخبير لندفع الثمن مضروب بألف !!!!!!!!!!!
تاركا بنتان وولد يتامى وعشيرة كان يقودها تأن لفراقه وما أثر بها بخلقه الريفي الكريم ،،،
أعتذر هزني الوجدان فحججت لما أرتسم على رخام القلب والروح ،،،،