23 ديسمبر، 2024 8:30 ص

أمْرِيْكَا وَ إسْرائِيلُ وَ تُركِيَا… حِلْفٌ جَدِيْدٌ لِتَحْقِيقِ أهْدَافٍ قَدِيْمَةٍ

أمْرِيْكَا وَ إسْرائِيلُ وَ تُركِيَا… حِلْفٌ جَدِيْدٌ لِتَحْقِيقِ أهْدَافٍ قَدِيْمَةٍ

في 29 كانون الثاني 2009 نقلت وسائلُ الإعلام، مِن مُنتجع دافوس في سويسرا، خَبرَ استياء رئيس وزراء تركيا رجب طيب اوردوغان، مِن منظمي ندوة المُنتدى الاقتصادي التي حضرها آنذاك. بسبب إعطاءِ وَقتٍ لشمعون بيريز في الحديث، أكثر مما أُعطي لاوردوغان. وكان الحديث بشأنِ أمْنِ إسرائيل، الذي تُهدّدَه منظمّة حماس وحزب الله، وحقّ إسرائيل في الرَدّ العسكري عليهما، والحِصار الاقتصادي على قطّاع غزّة.
وعنْدَما وَصلَ اوردوغان، إلى تركيا قادماً مِن دافوس، (استقبل الالاف من الاتراك رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان استقبالا حارا رافعين اعلام تركيا وفلسطين لدى عودته الى اسطنبول قادما من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. وكان اردوغان قد انسحب غاضبا من قاعة المنتدى الاقتصادي في دافوس الخميس بعدما ناقش الحرب في غزة مع الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز)(موقع البي بي سي).
وَحَصلَ حدّثٌ تُركيّ آخر، ففي فَجر يوم 31 أيار 2010، كانت سفينة (مافي مرمرة) وهي أكبر السُفن التركيّة الأربعة، التي كانَت تحملُ اسم (اسطول الحريّة)، الذي يحملُ مساعدات انسانيّة، إلى قطّاع غزّة المُحاصَر. تعرّضَت هذه السَفينة في الميَاه الدّوليّة، إلى عمليّة إنزالٍ جوّي مِن قِبَلِ الجيّش الإسرائيليّ. الّذي استخدمَ فيه الذّخيرة الحيّة، فقُتِلَ تِسعَةُ مواطنين أتراكاً. وعلى إثر ذلك تمّ سَحبُ سفيريّ إسرائيل وتركيا كلّ مِن بلدِ الآخر.
في غضون خمسةَ أشهرٍ حدثت هاتين الحادثتين، مِمّا أدى إلى ارتفاع شعبيّة اوردوغان عربيّاً. وبدوره قامَ بعدّة جولاتٍ عربيّة، ليَخطِفَ أبصارَ العرب، (الذين يعانون مِن عقدة الخوّف، فالبعض يخافون مِن كُلِّ شيء يُهدّد تُخمَتَهُم، والبعض الآخر يخافون مِن المَجهول). فأصبَحوا يبحثون عَن مُنقذٍ لهُم بالنّيابة، وكانَ اوردوغان هو الشَخص المُنتظَر. فاستطاع اوردوغان (تمثيل) هذا الدَوّر على العرب، وبنجاح أيضاً. وبعد تأكيد دَوّرِ اوردوغان عربياً، على المستويين الرَسمي والشَعبي. وتصويره بالشخصيّة الإسلاميّة الوسطيّة، الّتي تَحظى بمقبوليةٍ عاليةٍ في دُول الخليج، وبقيّة الدّول العربيّة، ارتفَع نجمُ اوردوكان، لأنّه أصبح المُدافعُ عَن القضيّة المركزيّة الإسلاميّة/العربيّة، قضية فسطين المحتلة.
هذه الصورة الّتي تألقت في الإعلام العربي، والفلسطيني بالذّات. فبدأ أوردوغان يحلَمُ بنفوذ أكبر في المنطقة. في ظلّ حالة غياب ثقلِ المحور العربي، المتمثل في مصر العراق سوريا. وفعلاً بدأت تركيا بقيادَة اوردوغان، التدخل في الشأن السّوري، الأمر الذي زادَ في تصعيد الحرّب الطائفيّة بيّن أبناء الشّعب الواحد. إضافة لذلك أخذَ اوردوغان، يكشفُ أمامَ الإعلام انتقاداته الموجّهة للسيّد نوري المالكي، لتأكيد دَوّرٍ طائفي يُرضي دول الخليج. وتأكيداً لهذا النّهج، فقدّ مَنحت الحكومة التركيّة، الحماية لطارق الهاشمي المطلوب للقضاء العراقي. وللتعبير عن امتعاض الحكومة العراقيّة، مِن السّياسة التركيّة، اعتذر السيّد المالكي من تلبية دعوة وجهها إليه، رئيس الحكومة التركية اوردوغان في 26 ايلول 2012، لزيارة تركيا.
هذه المقدمة، إذا مَا أُضيفت إليها الأحداث، التي توالَت خلال الإسبوع ما قَبلَ الأخير، من شهر آذار الجاري. والذي حصلت فيه الأحداث التاليّة وبصورةٍ مُتتابعَةٍ، لمْ تستغرق الأسبوع كُلّه. سَنستَنتجُ عدداً مِن القراءآت، تَرسِمُ لنَا رُؤيَةً مستقبليّةً واضحةً، وإنْ كانتْ غير مستقرّة طويلاً، بسبب كُثرة المتغيّرات الّتي تجري على ساحة الأحداث. لَقدّ حصلت الأحداث التالية:

1. في 20 آذار 2013، زارَ الرئيسُ أوباما إسرائيلَ، وألقى كلمةً أكّدَ فيها على حقّ اليَهود في إسرائيل. ذَكرَت صَحيفة (يديعوت أحرونوت) ما يلي: (وفي كلمته القصيرة، حيا أوباما الإسرائيليين، قائلا: (إنكم تحققون الحلم لتكونوا سادة لمصيركم في دولتكم ذات السيادة). وأضاف: (شرف لي أن أكون هنا لأسير على أرض تاريخية، فمنذ أكثر من 3000 عام والشعب اليهودي يعيش هنا ويصلى هنا للرب.. وبعد مئات السنين من الإبعاد، وملاحقات ليس لها مثيل، أنشئت دولة إسرائيل)…. الشعب الإسرائيلي كملوك لأرض كانت لهم منذ 3 آلاف عام.)(موقع محيط 22/3/2013).

2. (قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما …. إنه يقبل ألاّ تعود إسرائيل لواشنطن حول مسألة التعامل مع التهديد النووي الإيراني أو إصدار أمر بالقيام بعمل عسكري ضد منشآت إيران النووية.)(صحيفة بوابة الشرق 24/3/2013).
 
3. في 21 آذار 2013، نشرت الصحافة التركيّة الخبر التالي: (دعا زعيم حزب العمال الكردستاني، المسجون في تركيا، عبد الله أوجلان، اليوم الخميس، عناصر حزبه المحظور إلى إلقاء السلاح ومغادرة البلاد…. واعتبر أن هذه المرحلة يجب أن تتكلم فيها السياسة بدلاً من البنادق، مؤكدا أن ترك السلاح ليس النهاية، بل على العكس، إنه بداية حقبة جديدة)(صحيفة بوابة الشرق 21/3/2013 ). وجدير بالذكر أنّ اوجلان تمّ القبض عليه في 15 شباط 1999 في كينيا، بتنسيقٍ مشتركٍ بيّن الـ(CIA) ووكالة الاستخبارات التركية الوطنية الـ(MIT)،  والموساد الإسرائيلي، ونُقلَ جواً إلى تركيا بطائرة خاصة.

4. في 22/3/2013، قدّم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، اعتذاراً إلى رجب طيب اوردوغان، عن حادثة (مافي مرمرة). ذكرت صحيفة بوابة الشرق مايلي: (أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، أن اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الجمعة(22/3/2013)، لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، عن الهجوم الإسرائيلي على سفينة (مافي مرمرة) عام 2010، ليس له علاقة بالأزمة السورية. … مشدداً على أن تركيا لا تخادع على الإطلاق في مواقفها، وإنما تصر عليها لأنها تكون على حق في ما تدعيه. وذكر الوزير التركي أن أردوغان تشاور قبل تلقي اتصال نتنياهو مع رئيس حكومة حماس في غزة إسماعيل هنية، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للحصول على موافقتهما على قبول الاعتذار الإسرائيلي. وقال أوغلو، إن المطالب التركية الأساسية تمت تلبيتها، لقد حصلنا على ما أردنا في إشارة إلى اعتذار إسرائيل وموافقتها على دفع تعويضات لأسر الضحايا ورفع الحصار عن غزة.))صحيفة بوابة الشرق 23/3/2013). (ملاحظة مِن الكاتب: طبعاً لحدّ الآن لمْ يُرفع الحصار الإسرائيلي عَن قطّاع غزّة. ومعالجة حادثة سفينة (مافي مرمرة)، كانَ مِنَ المُفتَرضِ أنْ تقومَ تركيا، بمقاضَاةِ إسرائيل فِي المَحَاكمِ الدوليّةِ، لأنّها قامَتْ بعمليّةِ قرصَنَةٍ في المياهِ الدّوليّةِ، وحصلَ فيها عمليّة قَتلٍ لتسعةِ أشخاصٍ. وعلى هذا الأسَاس، يَجبُ أنْ يَصدُرَ حُكمٌ قَانونيّ، بحقّ القتلَةِ الإسرائليّين بعدَ مقاضاتِهم دولياً).

5. كشَفَ الإعلامُ بشكلٍ خَبري وليّسَ تَوقعي، عَن وجود نشاطٍ لوكالة المخابرات الأمريكية الـ(CIA) تُساند الجيش السّوري الحرّ، في المرحلة الحاليّة. والبدء بتقييم الاحتمالات، فلو أنّ الجيش الحرّ استطاع أنْ يُسقط نظام بشار الأسد، فذلك يَعني وصولُ المتشدّدين للسلطة، (وهذا ما لا تريده أمريكا في العلن، لكن تريده في السرّ). لذا كثّفت الـ(CIA) جهودها داخل سوريا، لوضع ترتيبات جديدة للمرحلة المقبلة. (نقلت الصحيفة الإسرائيلية (جورزليم بوست) إنه في محاولة من جانب الإدارة الأمريكية لكسر نفوذ الجماعات المتشددة في سوريا ما بعد سقوط الأسد، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تقديم معلومات استخباراتية لجماعات منتقاة من فصائل الثوار. … وتمتلك الإدارة الأمريكية معلومات وفيرة مستمدة من مصادر متعددة منها استخدام الأقمار الصناعية والعمل عن كثب مع وكالتي التجسس الأمريكية والأردنية، ولكلاهما شبكات اتصال واسعة داخل سوريا.) (عن موقع سي أن أن 24/3/2013).

6. في يوم 24/3/2013 قامَ وزيرُ الخارجيّة الامريكيّة جون كيري، بزيارةٍ مفاجئة إلى بغداد. فاجتمع مع رئيس الحكومة العراقيّة السيّد نوري المالكي. ودارت المباحثات حولَ مَنعِ وصول أسلحةٍ إلى سوريا من إيران عبر العراق. وجاء في افتتاحية ((صحيفة الواشنطن بوست) …. أصبحت الولايات المتحدة في وضع الضعيف بالعراق، وتضاؤل فرص نجاحها في إجبار الدولة على وقف دعمها التكتيكي للمساعدات الإيرانية الفتاكة للحكومة السورية.) (عن موقع سي أن أن 24/3/2013). وكتبت أيضاً صحيفة الـ(واشنطن بوست في 23/3/2013 ): (تغيرت لهجة الولايات المتحدة القوية إبان حملة “الصدمة والرعب” قبل عقد مضى، وهي تتحدث عن إعادة تشكيل مستقبل العراق، إلاّ تَذمر على استحياء، فهي في موقع الضعيف الآن لافتقارها العتاد العسكري والمالي، فقد أخفقت في كبح جماح تجاوزات الحكومة (يعني العراقية) التي قد تثير حرباً طائفية جديدة، كما أنها لم تحرز سوى القليل من النجاح في إجبار بغداد على وقف دعمها التكتيكي للمساعدات الإيرانية الفتاكة لدمشق. (تقصد الصحيفة سياسة صقور البيت الأبيض من الحزب الجمهوري الذين يستخدمون سياسة شن الحروب))(عن موقع سي أن أن 24/3/2013).

مِنْ تَحليلِ المعلوماتِ السّابقة تَظهرُ أمامُنا الاستنتاجات التالية:
1. أكّدت زيارة أوباما لإسرائيل، تفويض إسرائيل بشنِ حربٍ عسكريّة، ضدّ إيران بدون أخذ موافقة أمريكا.
2. تأكيدُ أوباما على البعد التاريخي للحقّ اليهودي، في أرض المِيعاد وهذا أهمّ هدف تدعو إليه المنظمات الصّهيونيّة العالميّة، لدعم الوجود الإسرائلي.
3. تأكيدُ أوباما على سِيادة إسرائيل المطّلقة، في عملية التسوية السلمية مع الفلسطينيّين(فاليهود مُلوك الأرض).
4. تَسوية اوردوغان لقضيّة عبد الله اوجلان، ودعوةِ الأخير، لوقفِ قتال حزب العمّال مع الجيّش التركي.
5. كما دَعى اوجلان، لبقاء حزب العمال خارج الأراضي التركيّة، أيّ انتقالها إلى داخل الأراضي العراقيّة في شمال العراق.
6. صفقة تسوية اوردوغان/ اوجلان، حققت منها تركيا عدّة أمورٍ منها:
أ‌. تَحقيقُ سَلامة أمنِها الوطني.
ب‌. توفيرُ الأموال الطائلة، التي تصرفها تركيا ضدّ حَرب العصابات، الّتي يقودها حزب العمّال.
ت‌. تَحررُ تركيا مِن الأزماتِ الدّاخليّة، واقناع الشّعب التركيّ، بنجاح سياسَةِ اوردوغان الداخليّة والخارجيّة. وهي خطوةٌ استباقيّة مِن قِبَلِ اوردوغان، للتّحضير للانتخاباتِ العامّة التركية، في عام 2014 .
ث‌. بدايةُ مرحلة جديدة لتركيا، لتكونَ طرفاً استراتيجيّاً في المنطقة، خصوصاً بعدَ نَشرِ منظومة صواريخ (باتريوت)، على الأراضي التركية. وفي ذلك ضغطاً كبيراً على تهديدِ الأمْنِ الإقليمي لروسيا وسوريا وإيران.
7. اعتذارُ إسرائيل لتركيا، واعادة التّمثيل الدبلوماسيّ إلى أعلى مُستوياته بيّن البلدين، يَعني إقامَة حلفٍ أمريكيّ إسرائيليّ تركيّ في المنطقة، يعيدُ التذكيرَ بدورِ شُرطي المَنطقة السَابق (شاه إيران).

8. إعطاءُ دَوّر تَنفيذي للـ(CIA)، وهذا الدّورُ أفضلُ مِنَ التَدَخُلِ الأمريكي المباشر، عن طريق القوّة العسكريّة التي تُكلّفُ الاقتصادَ الأمريكي، الكثير مِن الأموال، في وقتٍ يعاني منه هذا الاقتصاد مِن مشاكل كثيرة.

9. تشكيلُ حلف أمريكيّ إسرائيليّ تركيّ، يلوّح بالحرب ضدّ إيران لغرض ثني عزيمتها في المُضي قدماً في انجاز مشروعها النووي. كمَا أنّ هذا الحِلف سيكونُ شوّكةً في خاصرةِ رُوسيا وحُلفائِها.

10. وصولُ وزير الخارجيّة الامريكيّة جون كيري إلى بغداد، للضَغطِ على الحكومة العراقيّة، لفرضِ حصارٍ على سوريا، عَن طريقِ مَنعِ أيّةِ مُساعداتٍ إيرانيّةٍ، تمرُّ عبرَ الأجواءِ العراقيّةِ لسوريا. مِن أجلِ تقصيرِ عُمرِ حُكمِ نظامِ بشار الأسد.

11. أَرسَلَ وزيرُ الخارجيّةِ الامريكيّةِ، أثناءَ زيارته لبغداد، رسالةً تأكيديّةً إلى إيرانَ، يخبرُها فيها: أنّ العراقَ ساحةَ نفوذٍ أمريكيّ، قدّمت أمريكا الكثير مِن المال والرجال، مِنْ أجل السَيّطرة عليه، وعلى إيرانَ أنْ تُراعي مَصالحَ أمريكا في العراقِ، والمنطقة.

ختاماً: مِنَ المُؤكَدِ أنّ الحِلفَ الأمريكيّ الإسرائيليّ التركيّ، سيكونُ لهُ دورٌ استثماريّ في العراق. وإنْ كانَتْ بوادرُ هذا النشاط، قدّ ظهرت منذُ فترةٍ في شَمالِ العراق. إلاّ أنّ المرحلةَ الاقتصاديّةَ الجديدةَ لهذا الحِلف، سَتكونُ لها أكثرُ نشاطاً، على المناطقِ خَارجِ حُدُودِ إقليمِ كردستانَ، خصوصاً الاستثمارات النفطيّة، الّتي ستشتركُ بها شركاتٌ تابعةُ لهذا الحِلف وتحتَ مُسمياتٍ وجنساتٍ مختلفة.
[email protected]