قد يعتبر بعض الناس، الإنكسار هزيمة، والصمت ضعفاً، لكن حقيقة المرأة العراقية البطلة، تثبت عكس هذا المفهوم تماماً، فهي ترضع أبناءها، على أن التسامح يحتاج، الى قوة أكبر من الإنتقام، وأن الصمت أقوى من أي كلام، فما عادت أسواقنا العكاظية، تكفي لنشر المآثر والحكايات، حول صبر هذه المرأة، لأنها كائن يرفض الموت، فهي تضحك وتبكي في آن واحد.
تنعى الزمن والأيام وفقد الأحبة، ما دمنا في أحضانها، تهزنا تراتيل الحزن والألم، الذي يعتصر قلبها العطوف، فتتذكر الوالد الحنون وطفولة القرية، وكيف أن والدتها، تحفظ مواويل العزاء، لكي تخفف ألمها، فكانت شاعر القرية، الذي لم يعرف له إسم أو ديوان، لأن شعرها ينساب من شجونها وصدقها، لأننا نعتقد بأن كل إبداع يغادر دائرة الصدق فهو باطل.
الإحساس الرئيس، هو حب شاعر القرية، والحنين الى تلك الحياة البريئة، في أزقة الأمن والأمان، عاش خلالها تسعة من النجوم، بين آناء الليل وأطراف النهار، وكل ذخيرتهم من الشاعر، الأيمان بالخالق والتقوى، وحب أهل البيت عليهم السلام، وأخبرتهم أنها لن ترحل، بل سأرحل عندما ألفظ أنفاسي الأخيرة، وأنا بينكم وسأكون معكم أيتها النجوم التسعة.
ليس من العيب أن تسقط، ولكن العيب ألا تستطيع النهوض مرة أخرى، بل إتجه نحو القمر، فحتى لو أخطأت، فمكانك بين النجوم، هذا ما كانت تردده الوالدة لأبنائها، والذين فقدوا أرواحهم، بعد أن غادرتهم وسط إنفجار لعين، فيا لهذه المخلوقة العجيبة، وتكوينها العبقري مؤكدة، أن القيادة ليست إدعاءات، بل بالمؤهلات، فلا تستسلم للوجع والظروف، لأن الألم والأمل، يحملان نفس الحروف.
إيماءات ناطقة، وحروف تنقصها النقاط، وعبارات للترقيم ليست واضحة، ولكن في حجر أمي تكتمل كل هذه الأمور، ولا نحتاج إلا لوجودها، فحين يذهب شاعر القرية، تذبل الورود، وتبكي العصافير، وتموت الجدران، عندئذ لا توجد كلمات، تشفي قلب الفاقد، ويرحل عنا من كان يوصينا، بني لا تقصص رؤياك على أحد، فنحن في زمن نجهل فيه، النصير والمصير، عدا رحمة البارئ عز وجل.
أماكن في البيت تتحدث، والصور تتنفس، وخيارات صعبة تطفو على سطح الحياة، فالنجوم التسعة، أدركت رحيل الشاعر، فأين وكيف تنام النجوم؟ والقمر يحتاج للتحدث علناً، لأن الوضع بات غير مستقر، بعد رحيل الشمس، والنجوم تستحق جائزة نوبل للصبر وضبط النفس، فالمرأة في عراقي كأمي، طائر يطير بلا أجنحة، وتبكي بلا عيون.