10 أبريل، 2024 8:55 ص
Search
Close this search box.

أميركا وإيران: استعادة تقاليد العداء

Facebook
Twitter
LinkedIn

السياسة الأميركية الجديدة لا تنبع من مجرد معارضة الجمهوريين ودونالد ترامب للاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران، وإنما من تقليد طويل من العداء.

بعد سنوات من سياسة الاحتواء والتعاون تجاه إيران، عادت الولايات المتحدة الأميركية إلى تأكيد عدائها القديم مع الجمهورية الإسلامية. أنهت كلمات رئيس مجلس النواب، العضو البارز في الحزب الجمهوري، بول رايان الخطاب المعتدل تجاه طهران والذي طبع سنوات الرئيس السابق باراك أوباما، وذلك عندما وصف الحرس الثوري الإيراني بأنه “جيش إرهابي”.

لا تنبع السياسة الجديدة من مجرد معارضة الجمهوريين ودونالد ترامب للاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران، وإنما من تقليد طويل من العداء بدأ مع الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979 ووصول الخميني إلى الحكم. في الحقيقة، طالما كانت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط براغماتية وقادرة على العمل مع أنظمة مختلفة على الصعيد السياسي والأيديولوجي. وعليه، لم يكن ذلك العداء بسبب كون النظام الإيراني “إسلاميا”، ولا لأنه قام بـ”ثورة”، بل بسبب ما تلا وصول الخميني إلى سدة الحكم وبشكل خاص أزمة الرهائن.

فبعد أيام قليلة على نجاح الثورة الإيرانية ومغادرة الشاه للبلاد في العام 1979، جرى احتجاز أكثر من خمسين موظفا أميركيا داخل السفارة الأميركية في طهران. لم تنجح محاولات الرئيس الأميركي جيمي كارتر بالإفراج عنهم، حيث بقوا قيد الاحتجاز نحو سنة ونصف السنة تقريبا قبل الإفراج عنهم في بداية عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان.

تعتبر تلك الأزمة تأسيسية في ما يتعلق بالمسار الذي سلكته العلاقات الأميركية الإيرانية وبفهم العداء الشديد الذي سكن العقل السياسي الأميركي المحافظ ولا يزال مستحكما حتى اليوم. بعد تلك الأزمة، صار يمكن اختصار السياسة الإيرانية بعنصرين، الأول هو طابع اللاعقلانية الذي يحكمها. في مفاوضاته المتعثرة من إيران لإطلاق سراح الرهائن، خلص الرئيس الأميركي حينها جيمي كارتر إلى أن حكومته تتعامل “مع مجموعة من المجانين”. الطابع الآخر يرتبط بفهم إيران انطلاقا من كونها إسلامية وتشكل تهديدا للقيم الأميركية.

يعتبر كثيرون أن أزمة الرهائن كانت أول حادثة تؤسس لربط الإرهاب بالمسلمين والإسلام. إذ رصدت استطلاعات للرأي أجريت في خضم أزمة الرهائن ارتفاع العداء للمسلمين في الولايات المتحدة على المستوى الشعبي والسياسي انطلاقا من العداء لإيران. ولا يزال هذا التقليد مستمرا حتى اليوم إذ يتشارك كل من بول رايان الجمهوري العقلاني ودونالد ترامب الرئيس العنصري رؤية إيران كدولة غير عقلانية تهدد أيديولوجيتها الإسلامية المصالح الأميركية.

في العقد التالي لأزمة الرهائن، اندفعت الولايات المتحدة نحو المنطقة عبر حرب الخليج ثم حرب العراق، وهو ما عزز من القناعات المحافظة والعدائية تجاه إيران في العقل السياسي الأميركي، إذ أصبحت لواشنطن مصالح أكبر يتوجب الدفاع عنها.

لكن إدارة أوباما عملت على تخفيض مستوى العداء عبر إسقاط الخطاب المصاحب له والذي كان يتضمن وصف إيران بالإرهاب ووصف قادتها بالمجانين. تحول الخطاب الأميركي في عهد أوباما إلى التركيز على التعاون على الصعيد الاقتصادي والسياسي بما يخدم مصالح البلدين. كسر أوباما بذلك تقليدا أميركيا رافق بروز الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو ما جعل زعماء الحزب الجمهوري ينتظرون بفارغ الصبر سقوط أوباما واستعادة تقليد العداء القديم.

للعداء اليوم ما يبرره أكثر من أي وقت مضى، فللولايات المتحدة مصالح راسخة في الشرق الأوسط تحتاج الدفاع عنها. وفضلا عن ذلك، وسّعت إيران من نفوذها خلال السنوات الماضية بما يشكل تهديدا أكبر للمصالح الأميركية. أسست طهران قوسا من النفوذ يشمل سوريا ولبنان والعراق ولكنه يمتد أيضا إلى اليمن. يبدو ذلك حاضرا في التصريحات الحديثة للزعيم الجمهوري رايان حيث قال إن إيران “تدعم إرهاب دكتاتور دمشق وإرهاب الميليشيات في اليمن وبغداد وبيروت”.

ويبقى السؤال حول طبيعة السياسات التي ستنتهجها الإدارة الجمهورية والتي ستترجم ذلك الخطاب العدائي تجاه طهران إلى فعل سياسي. على صعيد الملف النووي، ورغم كل التهديدات بإنهاء الاتفاق، تدرك واشنطن أن هذا الاتفاق قد نجح في إيقاف البرنامج النووي الإيراني الذي كان يشكل صداعا في رأس أميركا وإسرائيل. وهكذا فإن التخلي عن الاتفاق في حال لم يكن هنالك خيار حرب شاملة غير ممكن. السياسة الأميركية الأخرى تتعلق بمواجهة نفوذ إيران في سوريا والعراق. وفي هذا السياق، لا يبدو إنهاء النفوذ الإيراني في البلدين بعد أن تطور إلى وجود فعلي على مدار عقدين في العراق وست سنوات في سوريا أمرا سهلا.

ورغم أن خيارات الإدارة الأميركية تجاه إيران تبدو محدودة، لكنها تعمل على فتح الأفق لبدائل جديدة في المستقبل. يظهر ذلك من خلال العمل على زيادة عدد القوات الأميركية في العراق وسوريا. الغاية هنا هي زيادة النفوذ الأميركي من أجل موازنة النفوذ الإيراني والعمل في مرحلة لاحقة على تقويضه. ولكن الوصول إلى تلك المرحلة لا يبدو قريبا في حال لم تنتهج إدارة ترامب سياسة تصعيدية مفاجئة تغير من موازين القوى في البلدين.
نقلا عن العرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب