في ظل التصعيد الكبير بين أميركا وإيران وتداعيات الأحداث بشكل خطير اختلفت الرؤى في فهم السيناريو الأميركي القادم . فهل أن تحرك البارجات الحربية باتجاه الشرق الأوسط, هو قرع لطبول الحرب؟ أم أنه يقع ضمن خانة الضغوط السياسية التي يمارسها البيت الأبيض تجاه القائمين على صناعة القرار الإيراني؟ هكذا أنقسم المحللون في فهم أي من الأيدلوجيات سيتم العمل بها من قبل إدارة ترامب.
فتصريحات الرئيس الأميركي بوضع رقم هاتفه في جنيف غاية أن يتصل به المسؤولون الإيرانيون للتفاوض بشأن الملف النووي وبدون شروط مسبقة يعطي شكل الطابع السياسي على الصراع لأول وهلة, مع إمكان وجود فرصة كبيرة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن هل المسألة بهذه البساطة؟ وهل ستقتصر شروط الجانب الأميركي على قضايا في الملف النووي؟ أم أنها ستتعدى إلى موضوعات دعم إيران للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وقوات الحوثي في اليمن وبعض الفصائل المسلحة في العراق؟
لقد صرح الأمريكان مرارا بان على إيران وقف دعمها لكل تلك الفصائل وهذا يعني بكل وضوح تحجيم الدور السياسي لإيران في المنطقة.
وعلى أية حال. إن قبول الجانب الإيراني بهذه الشروط هو أشبه باستسلام يضع الإسلاميين هناك في موقع لا يحمد عقباه أمام المعارضة المتنامية دخل إيران وخارجها. فأن تمرير المشروع الأميركي في المنطقة بهذا الشكل يعد انهيارا كبيرا للبنية العقائدية التي تتقوم بها السياسة الإيرانية .. إي بمعنى سقوط المشروع الإسلامي الذي يتبناه الإيرانيون والذي دفعوا أثماناً باهظة لأجله أمام المشروع الأميركي, وبالتالي الركون إلى سياسات الشيطان الأكبر. عند ذلك لا بقاء لنظام ولاية الفقيه في نظر المعارضة التي ستؤجج الشارع بدعوى عدم وجود مقتضى لبقاء الإسلاميين بعد أن فقدوا أهم مقومات بقائهم في السلطة.
بمعنى أن القبول بالشروط الأميركية يعني أن الانهيار الاقتصادي وما تحملته إيران من خسائر مادية طوال هذه الفترة سواء في الداخل أو في دعمها للحركات الإسلامية في الخارج سيعتبر سياسة حمقاء لم تنجز أدنى مشروع لها وعادت إلى الإسلام والشعب الإيراني بخفي حني, الأمر الذي سيزعزع ثقة الشارع الإيراني بكل الإستراتيجيات القادمة للنظام بل سيزحزح الثقة بكل الأطراف التي شكلت قوى مقاومة اعتمدت فيها على إيران.
ولهذا يعد قبول الجانب الإيراني بشروط ترامب أمرا جنونيا. فهل سيعلن الساسة الإيرانيون عن تخليهم لكل تلك الشعارات العقائدية التي أطرت بها السياسية الإيرانية في المنطقة؟
والجواب يكمن في فهم هل أن ترامب جاد في ما صرح عنه من أمكان التفاوض وهل سيستيقن الإيرانيون من وجود فرصة أخيرة للمفاوضات ولو بمقدار يبقي ماء الوجه محفوظا لهم كقادة ممانعة ضد التدخلات الأميركية ومشاريعها في المنطقة أم أن سيناريو العراق سيتكرر, فبعد أن يتم تفتيش جميع المفاعلات النووية وقطع الصلات الإيرانية بجيرانها ستتحرك الفرقاطات الحربية لتؤدي دورها الأخير في تدمير البنى التحتية وإعادة إيران للقرون الوسطى.
يمكن أن تكون تصريحات ترامب بأنه يريد التفاوض ويريد أعادة تنمية الاقتصاد الإيراني ليس خياراً واقعي يعطيه لساسة إيران بل هو رسالة للشعب الإيراني يحمّل فيها الحكومة الإيرانية مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع .. لان شروط الإملاء الأميركي أشبه بالتعجيزية بالنسبة للقائمين على النظام.
ولنسأل الآن ما هي الورقة التي كان ينبغي أن تعتمد عليها إيران في مواجهاتها مع أميركا؟
بالتأكيد أن هناك عاملين أساسيين وهما ضرب القوات الأميركي في الخليج وإغلاق أهم الممرات المائية, وضرب المصالح الأميركية في المنطقة من قبل حلفاء إيران.
والعامل الآخر هي التعبئة الجماهيرية .. فالجمهورية الإسلامية ترفع شعار الإسلام عموما والتشيع خصوصاً وإن وجود ثلاثمائة مليون مسلم ينتمون إلى نفس الطائفة التي تنتمي إليها إيران بالإضافة إلى الموالين لها من بقية المذاهب الإسلامية كما في المقاومة الفلسطينية وجماهيرها لهو أمر ينبغي أن تحسب الولايات المتحدة له ألف حساب ولو على اقل تقدير بمقاطعة السلع الأميركية وقلب الرأي العام العالمي ضد توجهاتها.
إلا أننا لا نرى أي مظاهر من مظاهر التضامن في هذا العالم الشاسع إلا ما يظهر هنا وهناك من تصريحات خجولة من قبل بعض الأحزاب السياسية وقادتها, والتي لا تربو إلى حجم الموقف المطلوب وكأن وقعت عليهم مقامع ويد من حديد كسيناريو أعد سلفا لمثل هذه الساعات فلا تعبئة جماهيرية سياسية ولا دينية.
وعلى هذا يمكن القول بصريح العبارة إن إيران لم تكن تمتلك الحنكة السياسية في قراءتها للمرحلة وتعاملها مع مختلف الشخصيات والتوجهات المؤثرة في المجتمع
لذ فحتى فصائل المقاومة الموالية لها ستكون في موقع لا يحسد عليه في مواجهتا للبنتاكون فلن تؤذن الجوامع بالجهاد ولن تقرع الفضائيات طبول التجييش.
إذن فما الذي يتوجب على الإيرانيين فعله في مثل هذه الحالة كورقة أخيرة تقول فيها عليّ وعلى أعدائي ؟
من المؤكد وكتحليل, لا يبقى وسيلة إلا الدفاع عن طريق المبادرة بالهجوم وضرب المصالح الأميركية في المنطقة. وذلك لأن أميركا تعتمد على تحشيد المعارضة والشارع الإيراني الذي أضره الحصار فيما لو قامت بأي عملية.
وعلى هذا بنفس الطريقة الموازية ستفعل إيران مع أعداءها فأن تأييد دول المنطقة للحرب والسير مع سياسات أميركا ومشروعها إن استطاعت إيران بدعوى الحق المشروع في الدفاع, إلحاق الضرر بتلك الدول والمصالح العالمية في المنطقة نتيجة تدخلها بجانب أميركا فهو أيضا سيؤجج الشارع والمعارضة على حكام تلك الدول وسيجلب نقمة شعبية, الأمر الذي يجعل الحكومات وبلدانها بحالة من الاضطراب موازية لحالة حكومة إيران. بل لربما أن التداعيات الكارثية على ذلك ستؤجج العالم بأسره, ولربما ستكون من هنا الشرارة التي ستغير وجه العالم.