23 ديسمبر، 2024 5:18 م

أميركا/ كوريا الشمالية… نطاح الكباش!

أميركا/ كوريا الشمالية… نطاح الكباش!

تصاعدت في الفترة الأخيرة حدة التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بصورةٍ متسارعةٍ ومخيفةٍ، حتى كأنك تشاهد فيلم رعب.

هذا التصعيد يثبت أن الوضع العالمي وضع هش، وملغّم، وقابل للاشتعال، خصوصاً حين يوجد قادة متهوّرون ومستعدون لافتعال المشاكل والصدام في أية لحظة.

المفارقة أن الصدام الذي يلوح في الأفق، بين دولةٍ مغلقة من بقايا الحقبة الشيوعية القديمة، يحكمها شابٌ لا يتجاوز الثلاثين ورث الحكم عن أبيه عن جدّه؛ وبين دولةٍ أوجعت رأس العالم بالحديث 24 ساعةً عن القيم الديمقراطية، منذ سبعين عاماً، ولكنها كانت تتصرف دائماً كدولة استعمارية من ورثة الامبراطوريات الغابرة، البريطانية والفرنسية، والبلجيكية والبرتغالية.

البداية كانت مع إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديداته بالتعامل مع كوريا الشمالية إذا تطلب الأمر، متجاوزاً الصين. وكان رد الفعل مباشراً بإعلان رئيسها الشاب كيم جونغ يون الإشراف على مناورةٍ للوحدات الخاصة.

بعدها أرسلت واشنطن وحدة بحرية ضاربة مكونة من حاملة الطائرات «كارل فينسن» ترافقها ثلاث سفن قاذفة للصواريخ، يوم السبت قبل الماضي. وهي خطوة قابلتها كوريا الشمالية بالإعلان عن جاهزيتها للحرب!

يوم السبت الماضي، وفي الذكرى الـ105 لمولد مؤسس الدولة، كيم إيل سونغ، جد الرئيس الحالي، استعرضت كوريا قواتها في استعراض عسكري ضخم، كشفت فيه عن صواريخ جديدة. وظهر زعيمها بين قادة عسكريين وهو يراقب مناورة عسكرية منتشياً ضاحكاً، وقال: «يبدو أن للرصاص عيوناً»، كما نقلت وكالة الأنباء الرسمية. في المقابل نقلت «إذاعة صوت أميركا» عن مسئولين أميركيين لم تسمّهم، أن «كوريا الشمالية وضعت على ما يبدو قنبلة نووية في نفق»!

ما يحدث الآن هو أول دليلٍ على صحة حسابات الرئيس السابق باراك أوباما وتوقعاته، بانتقال محور الصراع الدولي من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا، ويكون مركزه الصين، أحد أكبر قطبين منافسين للقوة الأميركية في القرن الجديد.

مع كل تصعيد في التهديدات الأميركية كانت يأتي الرد الكوري فورياً، فبعد إرسال حاملة الطائرات، تحدّث ترامب عن إرسال أسطول يشمل غواصات إلى شبه الجزيرة الكورية. وهي خطوة اعتبرها الجيش الكوري تهديداً، فتوعّد بتدمير الولايات المتحدة «بلا رحمة»، في حال قرّرت مهاجمة بلاده. بل إن الرجل الثاني في النظام قال: «نحن مستعدون للردّ على حرب شاملة بحرب شاملة، وللرد على أيّ هجوم نووي بهجوم نووي على طريقتنا».

الأميركيون لمحوا إلى إمكانية قيامهم باغتيال الرئيس الكوري، وقابلته كوريا بإعلان الاستنفار، ودعوة 600 ألف من سكان العاصمة للنزوح منها تحسباً لخطوة قادمة، فسّرها الكثيرون باحتمال ضربة نووية. وهي تراهن بإيقاع أكبر حجم من الخسائر في صفوف القوات الأميركية وضرب قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة، من اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، وصولاً إلى الفلبين واستراليا.

هذه المنطقة كانت حتى عهد قريب مثلاً يضرب في استقرار أغلب دولها وتفرغ شعوبها للعمل ومضاعفة الإنتاج، فتحوّلت فجأةً إلى وضع متفجر، حيث يمارس ترامب وعدوه أون لعبة حافة الهاوية. وهي لعبةٌ خطرة، أكثر الأطراف ابتهاجاً بها الروس والصينيون، حيث يرون خصمهم الأكبر يتورّط في مزيد من المغامرات، ويرتكب المزيد من الحماقات.

لا أحد يتمنى الحروب وسفك دماء الشعوب في أية بقعة من العالم، فكلنا بشر من لحم ودم، لكننا في هذه المنطقة من العالم، التي اكتوت بحروب مازال يشتعل أوارها، كان للأميركيين الدور الأكبر في تأجيجها لعقود، نتمنّى أن يكون هذا النطاح فرصةً لإشغال الأميركيين وفكّ قبضتهم عن عنق دول وشعوب الشرق الأوسط.
نقلا عن الوسط