“الحرب الهجينة”1* . تعد شكلا من أشكال الحروب التي تعتمد على تحقيق أهداف استراتيجية دون اللجوء إلى صراع مادي، خاصة في المراحل الأولى من الصراع , العالم يشهد تغيرات جذرية في طبيعة وأدوات الصراعات، وهو ما بات يعرف بالحرب الهجينة ، تشكل سمات وخصائص جديدة في طبيعة وآليات الحروب كاستخدام وسائل هجينة لتخريب الدول وتدميرها دون تدخل عسكري مباشر أو علني . المشهد الأمني يتغير بشكل مطرد مشكلا تحديا عالميا يتطلب مواجهة طبيعة التحديات التي نواجهها، فضلا عن رفع قدرات المؤسسات الأمنية.
الولايات المتحدة الاميركية تعرف متى وكيف تأكل ” لحمةالكتف ” وهذا منهجها منذ زمن بعيد. منذ الحرب العامة الاولى . انتهجت أميركا سياسة الحياد في بداية هذه الحرب . لم تتدخل فيها حتى نهايتها سنة 1917م ولم يشترك جنودها في هذه الحرب حتى بداية سنة 1918م سنة نهاية الحرب راوغت وبأعذار واهية غير مقنعة , دخلت الحرب الى جانب بريطانيا وفرنسا وايطاليا بعد وشك انهيار هذه الدول واستنزافها لولا تدخل اميركا . فكانت لعبتها أغراق هذه الدول بالديون ومن ثم ” كمنقذ حاسم ” لموقف الحرب التي كانت منذ بدايتها ” اميركا ” من دول الحياد لهذه الحرب , وهذه جعلت من اميركا دولة لها شأن في العالم بعد سيطرتها على اوربا في النواحي العسكرية والمالية والاقتصادية ’ وبعدها فتحت اسواقها للبضائع الاوربية وشرائها بأبخس الاثمان نتيجة تردي عملات الدول المتحاربة قياسا بسعر الذهب . الدول التي خسرت الحرب كان وضعها االاقتصادي والمالي الاكثر سوء , المهم استمرت أميركا في تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية ” قارة ” متكاملة فيها كل شيء , النفط والذهب وسعة مساحتها الجغرافية والبشرية والزراعية .
تدريجياً اصبحت تحل محل بريطانيا وفرنسا وايطاليا , لا بل أخذت بأستخدام هذه الدول بعد السيطرة على مصادر قوتها . بعد الحرب العالمية الثانية دخلت في معترك وصراع مع الاتحاد السوفيتي ” الحرب الباردة ” فكانت النتيجة لصالحها وحلفائها نتيجة امكانياتها العسكرية الاستثنائية ” الاسلحة الذرية ” بعدها دخلت في حروب ثانوية هي وحلفائها مع عدد من دول العالم مثل فيتنام وكوريا وكموديا والجزائر ومصر وعدد من دول افريقيا وغيرها . اثناء ذلك استقرت السياسة العدوانية على خلق ” مرابض ” تقاتل عنها بالنيابة ودعمها ماليا وعسكريا مثل فيتنام الجنوبية بقيادة ” فان ثيو ” مقابل فيتنام الشمالية بقيادة ” هوشي منه ” وخلقت أيظاً كوريا الجنوبية مقابل كوريا الشمالية وأسرائيل في فلسطين بعد طرد شعبها بالقوة ” ازاحة سكانية ” جعلوها دولة مضمونة الولاء يمكن الاعتماد عليها في كل الاوقات نتيجة محيطها الرافض وكونها دولة مصطنعة عدوانية عنصرية مرفوضة غير مستساغة عربيا واسلاميا وعالميا . فحتم هذا المشهد ولائها لصانعيها ” دول الاستعمار ” قاعدة للعدوان والابتزاز في قلب الوطن العربي واستخدامها للتدخل السريع في شؤون المنطقة وخاصة العربية خشية من قيام ايّ توحد بينهما. وغيرها الكثير من بقاع العالم المختلفة مثل النظام الحاكم العنصري في جنوب افريقيا , الى ان وصلت الى خلق ” القاعدة ” بمعونة الباكستان والمملكة العربية السعودية . نتيجتها طرد المحتل السوفيتي وتحرير افغانستان ليحل بعده الاستعمار الأمريكي محله ” استبدال مستعمر محتل بآخر ” كان شعارهم المعلن في بداية حربهم ” التحرير ” ثم اتضحت الصورة بمرارتها وقسوتها ” أستبدال استعماري ” مختلف الاسم متشابهاً بالشكل والهدف . وقعت حروب واعتداءات وتدخلات في شؤون الدول العربية في كل المجالات العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية . بعدها قامت امريكا بأنشاء وصناعة ” الحركة الخمينية ” لشن الحروب والتخريب داخل الدول العربية والاسلامية , رافعة شعارات ما انزل الله بها من سلطان مثل ” تصدير الثورة و طريق القدس يمر عبر كربلاء ” و تأجيج الطائفية المذهبية , فكان لها أثر واضح لما خطط من اجلها .
شنت الحرب على العراق وأدخلته في دوامة صراع مرير أنتهى بعد استنزافه وتقزيم طاقاته في كل المجالات العسكرية والاقتصادية والصناعية والزراعية والخدمية وغيرها . بعدها ادخلت الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية والرجعية العربية وعملائهم في الداخل والخارج , أدخلوا العراق في ” الشرك الكويتي ” فكان من السهل جداً احتلال العراق مستندين الى الرأي العام الرافض الداخلي ” العراقي ” والعربي والعالمي ( الداخل العراقي مقتنع بأن الكويت كانت جزء من العراق , دلالات تاريخية وحياتية اجتماعية تؤكد ذلك , لكنه بالمقابل كان على درجة عالية من الوعي والادراك بطبيعة ظروف العراق العسكرية والاقتصادية وموضوع هذا الاجراء تجاه العالم ومقتنع ايظاً بأن الكويت جزء من الامة العربية والامة الاسلامية وأن البعثيين هم من اعترف بالكويت كدولة سنة 1963 بعد ان طالب بها عبد الكريم قاسم . أضافة الى ما اكده المرحوم ” ميشيل عفلق ” الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي قال ” لو أعطوا لنا الكويت على طبق من ذهب لرفضناها ولا نقبلها متوحدين إلا بأرادة أهلها ” . لهذا كله كان سهلا على الولايات المتحدة الاميركية ومن حشّدتهم من دول العالم ” 33 دولة ” أحتلال العراق وببساطة .
والنتيجة مايراه ويعيشه العراقيين وكل العالم . تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وتقسيمه أجتماعيا ونفسياً ودينياً لا “جغرافياً “عرب واكراد وسنة وشيعة ومسيحين وتركمان ويزيدية واشاعة الطائفية والعنصرية القومية والاثنية وتنفيذ الازاحة السكانية ” بشكل مستور ” واشاعة الفساد بكل انواعه واشكاله من قمة هرم السلطة والمجتمع العراقي الى قاعدته . بالمناسبة ” اشاعة الفساد من ابرز اساليب الاستعمار ويدخل في صلب الحرب الهجينة التي تمارسها وتقوم بها الولايات المتحدة في العراق وكل العالم ”
اميركا فسحت المجال لسيطرة ملالي ايران الخمينين على العراق بشكل واسع وكامل , علاوة على تركها ” أي أميركا ” الحبل على الغارب لحكام ايران يصولون ويجولون في المنطقة العربية , لبنان من خلال حزب الله الطائفي وسوريا من خلال رمحهم ” النصيرية ” واليمن من خلال ” الحوثيين ” ومحاولاتهم في البحرين والسعودية وليبيا ومصر والمغرب العربي والاردن وغيرهم . مستمرين على ذلك , كل هذا لاعتداء والخراب الايراني وأميركا ( ترقص بالمنديل ) راضية مرضية تبتز الجميع بهذه الحجة تدعي التناقض ظاهرياً بينما الاتفاق مع ايران أو بالكاد السكوت جاري باطنياً فالظاهر أن أميركا ” تعلّمت وبدّلت التكتيك ابالتقية وأعجبتها ” . أسرائيل ترفع وايران تكبس واميركا الحَكم الدولي لهذه المباراة التي لا نهاية لها . إلا ما قدّر الله . نذكركم بأميركا وأعترافها بأن القدس عاصمة اسرائيل رغم معارضة كل العالم ألا بعض الدول الضعيفة الارادة والاستقلال او المستفيدة على حساب الانسانية . التي تتصيّد بالماء العكر .
*1ـ السفير البروفيسور ” غريغول مغالوبليشفيلي ” من كلية الدفاع الوطني الإماراتية، رئيس وزراء جورجيا الأسبق ، محاضرة بقصر البطين في ابو ضبي بعنوان ” تغير سمات الحرب “