18 ديسمبر، 2024 12:00 م

أمية العلاقات الشخصية.. باب التطرف المنسي

أمية العلاقات الشخصية.. باب التطرف المنسي

درجت مختلف الدراسات المهتمة ببحث التطرف، على التسرع في سرد دوافع الفكر الديني المنغلق أو تردي التعليم أو غياب التنمية، وهي عوامل مساهمة في صنع الفكر المتطرف، لكن أغلب الدراسات لم تنتبه لتفاصيل العلاقات الاجتماعية ولكيفيات تشكلها. ولا شك أن الانتباه لمثل هذه الزوايا المهملة من شأنه أن يؤدي إلى تمثل وجود الإسلام السياسي الاجتماعي، وإلى تلمس مساهمة العلاقات الشخصية في صنع التطرف.

المسلم المشوش بين ثقافتين
الغربيون يعلمون أبناءهم على عدم محاكمة الناس والتصرف مع الجميع بإيجابية وتشجيع. هذا جزء من تربيتهم. إن الآخرين خطرون ولا تزجهم بحياتك إذا كانوا سلبيين. ربما أعظم تشجيع تتلقاه نحو أهدافك هو ذلك التشجيع النابع منك وحدك.

السلبية مثلا معدية ولا علاقة لها بحقيقة الأشياء. الكثير من الشباب يقولون إنهم فكروا في حل لمشكلتهم، ثم اكتشفوا في النهاية أنه لا توجد مشكلة، بل هذا الصديق السلبي يجعلهم يشعرون دائما بمشكلة ويحاولون شرح تلك المشكلة بالإيحاء للشخص ذاته.

الغربيون ينظمون أفكارهم وعلاقاتهم بشكل ينسجم مع صحتهم النفسية، حتى الأغاني تكون في الغالب ذات إيقاع إيجابي، حيث يتجنبون نشر الإحباط. انتبه وأنت شاب لأن شخصيتك لم تتشكل بعد بشكل نهائي وعلاقاتك الخاطئة قد تجعلك تفشل في الحياة. تفحّص نفسك أولا، فأنت أهم صديق لنفسك ثم تفحص محيطك. تأكد من أنك محاط بالحب والإيجابية والطاقة السليمة. أشياء تحتاجها للنجاح في العمل والدراسة.

هناك حديث عظيم منسوب للنبي يقول “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو لقيت أخاك بوجه طليق” هذا بالضبط ما يفعله الغربيون هنا. يبتسمون لبعضهم البعض ويشيعون الكلام الإيجابي. الشخص اللئيم مثلا يتجنبونه ويبتعدون عنه، أما الشخص الذي لا يهتم إلا بنفسه يسمونه “متمركز على ذاته” فهذا شخص ليست عنده مساحة لأحد غير نفسه، وهو يوحي للناس بعظمته وأهميته كحالة مرضية، ولا يصلح للصداقة مطلقا.

عشت عشرين سنة في الغرب ولا بأس من كتابة ما تعلمناه من أخطائنا وصدمة الثقافات للشباب العربي، ولاحظت إقبالا شديدا من الشباب خصوصا على هذه المواضيع. إن العلاقات الإنسانية كالصداقة والحب مهمة للغاية لأن معظم حالات الإرهاب والتطرف تكون بسبب نوع من الفراغ العاطفي وعدم التعايش. تعلمت في الغرب شيئا واحدا؛ لا تلعب مع العقلانية، لا تعتقد أن هناك شيئا لا تعرفه المؤسسات الحديثة. كل شيء درسوه وصنفوه وتخصصوا فيه، وإذا كان هناك شيء -جدلا- لا يعرفونه فتأكد بأنك أيضا لا تعرفه.

القبول بثقافة المساواة بين الرجل والمرأة، وإشاعة روح إيجابية بين الناس، وعدم السماح بمحاكمة الآخرين أشياء جوهرية في الثقافة الغربية، وعلى الأسرة المهاجرة معرفة ذلك والقبول به
في الغرب لا يوجد شيء اسمه “الحب من طرف واحد”. البيض لا يتصرفون هكذا، شيء كهذا عندهم ليس مرضيا فقط، بل غير قانوني. الشيء الآخر علم النفس يدخل في العلاقات. هل تعرف كيف تقيم علاقة؟ هل تعرف كيف تحافظ على هذه العلاقة؟ هل تعرف كيف تعامل المرأة؟ هل تعرف كيف تعتني بها؟ هل تعرف كيف تجعل الآخرين سعداء من حولك؟

شيء آخر معقد يسمونه الـ”أبيوز” يقوم على ألا تسمح للآخرين باستغلالك، ولا تستغل الآخرين. العلاقة يجب أن تكون عادلة. أشياء لا يمكن للمهاجر تعلمها بسهولة فالغربيون يتعلمونها في المدارس. يخرج الشاب مع فتاة جميلة وفي المطعم هي تدفع نصف الفاتورة لأنها وإن كانت شديدة الجمال قد خرجت لتستمتع بوقتها مع هذا الشاب وليس لتستغله، وهو جاء ليقضي وقتا ممتعا مع الفتاة لا ليشتري مشاعرها بدفع الفواتير.

وهناك أشياء كثيرة معقدة تكتشف من خلالها “أمية العلاقات” عندنا. مثلا عندهم دراسات عن الرجل المسن الذي يحب إنفاق المال على فتاة صغيرة ويسمونه “شكردادي”، وعندهم دراسات عن الفتاة التي تحب إغراء الرجل دون أن تعطيه شيئا ويسمونها “تيز” ودراسات عن الأشخاص الذين يلاحقون شريكا عاطفياً سابقا بشكل انتقامي ويسمونه “ستوكر” والجميل لدى الغربيين أنهم يسألون المختصين ويلجأون إلى المساعدة في حل مشاكلهم العاطفية ولا يكابرون.

نحن عندنا في ثقافتنا موضوع العشق فقط يستهلك الفنون والأدب، ولكن هذا لا يكفي لأن الحب يحتاج إلى إدارة وهذا ما يسمى بالعلاقة. كيف تدير علاقة ناجحة في مجتمع معاصر؟ لا يكفي أن تقف على ضفة نهر الفرات وتصرخ “أنت القمر، وأنت الملاك، وأنت الزهور” لا علاقة لذلك بالحياة الواقعية.

الشرقي يهرب من العلاقة بعد الزواج بموضوع غريزي هو الأطفال، لأن المرأة ستكتفي بالفراش من زوجها وتشبع رغبتها العاطفية بالأطفال. هذا مرفوض في الغرب؛ لا تتداخل العلاقات عندهم بهذا الشكل. كل عنصر معزول عن سواه وعليك التفكير في كل شيء من باب الاهتمام لتنجح العلاقة.

رجل غير متعلم يأخذ عائلته كل أسبوع في رحلة وحين سألته لماذا؟ قال لأخلق “ذكريات جميلة لعائلتي” لا يمكن لهذا الرجل غير المتعلم الإجابة بهذا العمق لولا أنه قد تعلم ذلك من المدرسة والمجتمع.

أحد أهم أسباب التطرف الإسلامي هو عدم انتباه الأهل للعلاقات التي يقيمها أبناؤهم وإصرار العائلة المسلمة على اختلافها عن الغرب، ولا يجب القبول بمؤسساتهم التربوية والاجتماعية المخصصة لمساعدة الناس. هذا يخلق فجوة مع الجيل الثاني للمهاجرين الذي سيعاني مشكلة قيم عميقة. فهو جيل لا ينسجم مع الثقافة الأصلية بسبب النشأة بالغرب، ولا ينسجم مع الغرب بسبب إصرار الأهل على الاختلاف مع المجتمع الجديد.

القبول بثقافة المساواة بين الرجل والمرأة، وإشاعة روح إيجابية بين الناس، وعدم السماح بمحاكمة الآخرين أشياء جوهرية في الثقافة الغربية، وعلى الأسرة المهاجرة معرفة ذلك والقبول به.
نقلا عن العرب