إجراءات أمن مضافة في القصر الجمهوريخلال تواجد سريتنا بمهمة حماية القصر الجمهوري، لاحظتُ أن إجراءات أمن أخرى كانت تُتَّخَذ بإشراف “العميد زاهد محمد صالح-المرافق العسكري الأقدم لرئيس الجمهورية” الذي كان تحت إمرته كل من المُرافق الشخصي”الملازم أول رشيد علوان المهداوي” وآمر فصيل الحماية الخاصة “الملازم شهاب أحمد الدليمي”، إذْ يمكن تلخيص تلكم الإجراءات فيما يأتي:-
* كان فصيل الحماية الشخصية لرئيس الجمهورية يتألف من (40) ضابط صف وجندي يرتدون الملابس المدنية -كما أسلفنا- مهمته تأمين الحماية لشخص رئيس الجمهورية في جناحه الخاص ولدى مغادرته القصر الجمهوري لأي غرض، فيما يتواجد البعض منهم بشكل خفيّ قبل وصول رئيس الجمهورية لموقع مُعلَن أو غير مُعلَن عنه ببضع ساعات.
* يُسمَح للسيارات غير التابعة للقصر الجمهوري الدخول الى شوارعه الداخلية، إذْ كان الركوب فيها من ذوي المناصب الكبرى في الدولة (رئيس الوزراء، الوزراء، رئيس أركان الجيش ومعاونوه، قادة الفرق العسكرية، مديرو دوائر وزارة الدفاع، مديرو الأجهزة الامنية، المديرون العامون لدى الوزارات، ذوو المناصب المعيّنون بمراسيم جمهورية، رئيس جامعة بغداد وعمداء كلياتها ومعاهدها)… أما السيارات الأخرى فعليها الوقوف في ساحة مخصصة قبالة غرفة التشريفات… فيما كان معظم الوزراء يحضرون بسياراتهم الشخصية -التي يقودونها بأنفسهم- إلى القصر مساءً لحضور إجتماعات معينة ومن دون أن يصطحبوا معهم أي فرد حماية.
* لا يخضع أي شخص ذي درجة خاصة من الذين ذكرناهم في “ثانياً” لأي تفتيش… بينما يخضع الزائرون الإعتياديون لذلك، إلاّ إذا كان أحد المسؤولين في القصر -بمن فيهم نحن ضباط سرية الحماية- قد أمر بغير ذلك.
سيارات القصر الجمهوري
كانت هناك سيارتان فاخرتان سوداوان طويلتان “ليموزين” من طراز “مرسيدس” موديل-1964 رسميّتان، تحملان شعار الجمهورية العراقية “الصقر العربي” على بابَيهما الخلفيّين الأيمن والأيسر… وقد ثُبِّتَتْ على واقيتَي الطين الأماميتين ساريتا علم مُصغَّرتَين، تحمل اليمنى منهما علم الجمهورية العراقية، بينما تخصص السارية اليسرى لتثبيت علم أي دولة يزور زعيمها العراق رسمياً… وكان رئيس الجمهورية يتنقل في إحداهما، بينما ترابط الثانية في رحبة سيارات القصر إحتياطاً جاهزاً للتحرّك فوراً.
وكانت هناك سيارة ثالثة مكشوفة حمراء اللون من طراز “فورد- لنكولن” أمريكية الصنع من موروثات العهد الملكي موديل-1958، يستقلّها رئيس الجمهورية عادة لدى تجواله ببغداد أو المحافظات، عندما يرغب بذلك.
وفي القصر (10) سيارات مدنية معظمها من طراز (شفروليت) بألوان مختلفة موديل-1963 أمريكية الصنع، وهي مخصصة لأفراد فصيل الحماية الشخصية، يتنقلون بها مرتدين ملابس مدنية لدى تكليفهم بمرافقة “الرئيس” لدى مغادرته القصر وبمعدل سيارة واحدة أو سيارتين ضمن “الموكب الرسمي”… ولم يتم تبديل تلكم السيارات بأحدث منها حتى عام 1966.
كما كانت في “المرآب” سيارتان نادرتان قديمتان… إحداهما من طراز “رولْز-رويس” بريطانية الصنع موديل-1957، ضخمة جداً، سوداء اللون، وقد قيلَ أنها من ممتلكات “القصر الملكي” سابقاً، وكانت مخصصة لركوب “الملك فيصل الثاني” مع خاله الوصي السابق على عرش العراق وولي العهد “الأمير عبدالإله”.. والثانية أغرب بكثير من الأولى، فقد كانت من طراز “مرسيدس” موديل-1937 بباب منفرد في كل جانب، ولا تستوعب سوى شخصين، وهي مصبوغة باللونَين الأصفر والأزرق، ذات محرك غير إعتيادي وطويل وضخم جداً يحتوي (24) إسطوانة، وقد نُقِشَ علي بابها الأيسر حرفا “غ.ف” باللغة العربية رمزاً لإسم الملك الراحل “غازي فيصل” الذي جلس على عرش العراق منذ وفاة أبيه (1933) وحتى مصرعه يوم (4/4/1939) في ظروف مازالت غامضة… وقد قيل أن الزعيم النازي الآلماني “آدولف هتلر” قد أهداها الى شخص ذلك الملك عام (1937) رمزاً للصداقة الشخصية التي قامت بينهما.. وقيلَ أيضاً أن عدد السيارات التي صُنعت من هذا الطراز لم يَتعَدَّ سوى (4) سيارات في العالم أجمع.
وإذا إحتاج القصر الجمهوري إلى عدد إضافي من السيارات، فإن “دائرة التشريفات” التابعة لوزارة الخارجية كانت تبعثها عند الطلب ليوم واحد أو لعدة أيام وإستناداً إلى منهج زيارة معينة.
اما الأشخاص من ذوي المناصب العليا في القصر الجمهوري فكانت لهم سياراتهم الرسمية التي يتنقلون بها من والى القصر الجمهوري… فيما كان معظمهم يحضرون للقصر الجمهوري بعد ساعات الدوام الرسمي بسياراتهم الشخصية التي كانوا يقودونها بأنفسهم، بمن فيهم “عبدالله مجيد” سكرتير عام ديوان الرئاسة… ولكن المرافق العسكري الأقدم “العميد زاهد محمد صالح” لم أُُشاهده يقود سيارته الشخصية في يوم ما، بل كان يحضر بسيارته الرسمية في جميع الأوقات.
الطائرات
كان “الرَفّ الملكي”-الذي تبدَّلَتْ تسميته إلى “الرفّ الجمهوري” بعد (14تموز1958)- يحتوي طائرتَين صغيرتَين مدنيّتين للركاب ذات محركين مروحيّتين من طراز “دوف/DOVE” بريطانية الصنع بـ(8) مقاعد، مضافاً إليهما طائرة ركاب واحدة أكبر قليلاً منهما تحتضن (10) مقاعد من طراز (هيرون/HERON) بريطانية المنشأ أيضاً لنقل كبار ضباط الجيش والوزراء في بعض المرات داخل العراق وبين مدنه التي تتوفر فيها مطارات أو مَهابط… ولكن “عبدالكريم قاسم” لم يشأ إستخدامها مطلقاً لكونها أساساً مخصصة لتنقّل أفراد العائلة المالكة.
ظلَّت فعاليات “الرف الجمهوري” خامدة أو محدودة طيلة (5) سنوات، حتى حلّ عام (1964) وإستقر “عبدالسلام محمد عارف” على كرسي الحكم، إذْ تضاعفت نشاطات الرفّ مع إزدياد فعاليات رئيس الجمهورية في زياراته للألوية (المحافظات)… وعندما توطّدت علاقات “العراق” مع “مصر” بشكل خاص، ظهرت الحاجة لوجود طائرة خاصة للرئيس العراقي يمكنها بلوغ “القاهرة” دون توقّف في مطار وسطي، فتمّ إقتناء طائرتين للركاب ذات محركين نفّاثين من طراز “توبوليف-124” من الإتحاد السوفيتي، متوسّطي الحجم، تشتملان مقاعد ومناضد محوّرة للجلوس المريح لكبار الشخصيات في جلسات عمل أثناء الطيران، إذْ ضُمََّـتا إلى “الرف الجمهوري” وخُصِّصَتا لشخص رئيس الجمهورية لإستخدامهما في زياراته الى خارج القطر.
وقد تعرّفتُ في حينها بقائدَي الطائرتَين عن قرب، وهما “الرائد الطيار عدنان أمين خاكي” و”النقيب الطيار طاهر صالح التكريتي”، وذلك من جراء تكليفي بمهمة
حمل العلم العراقي، أو بمنصب معاون آمر حرس الشرف عند توديع رئيس الجمهورية أو إستقباله بمطار بغداد الدولي (مطار المثنى بعدئذ).
وعند رغبة رئيس الجمهورية بالتنقّل جواً داخل العراق، فكان يستقلّ إما طائرة “هيرون” أو إحدى طائرتي “دوف” القديمتين، أو أن واحدة أو أكثر من طائرات الهليكوبتر تحطّ في مهبط خاص داخل سياج القصر الجمهوري وحسب الإحتياج، تأتي من “قاعدة الرشيد الجوية” عادة، وكانت من طراز (مي-4) السوفيتية المنشأ خلال عام (1964) أو “ويسّكس/WESSEX” بريطانية الصنع بعد أن جُهِّزَتْ بها القوة الجوية العراقية عام (1965)، إذْ يستوعب كل منها (10) أشخاص… ولم أعلم -في حينه- ما إنْ كان طيّاروها من ذوي مواصفات أمنية خاصة، أم كانوا يُكلَّفون بهذه المهمة تباعاً.
رواتب الحرس الجمهوري والمخصصات والمكافآت
لم يكن راتب الضابط الذي يعمل في وحدات الحرس الجمهوري خلال الأعوام (1964-1966) ليختلف عن أي ضابط يخدم في أية وحدة من وحدات الجيش العراقي في جميع أنحاء القطر… فنحن الضباط الأحداث لدى تخرّجنا في الكلية العسكرية وتعييننا بالحرس الجمهوري كنا نتسلّم (48) ديناراً في الشهر الواحد، وهو الراتب المحدد قانوناً لأي ضابط يحمل رتبة “ملازم ثانٍ” تخرّج لتوّه في الكلية.
أما مخصصات الإنذار الأقصى “الدرجة/ج”، والتي كان فوجنا مشمولاً بها، فقد بلغت (18) ديناراً في الشهر الواحد -أي بمعدل (600) فلس يومياً- وهي المخصصات نفسها التي كانت تُمنح لأي ضابط شملت وحدته العسكرية بالإنذار (ج)، وأينما تكون تلك الوحدة.
وقد وقعت بشأن تلك المخصصات مفارقة يجدر ذكرها… فبعد أن إلتحقتُ لفوج الحرس الجمهوري الأول بحدود شهرين، إعترضت مديرية الحسابات العسكرية عليها، وأثارت موضوعاً متعلّقاً بأوامر وتعليمات المخصصات للمشمولين بها، طارحة بأن ضباط فوجنا ومراتبه ما داموا يتركون الثكنة بين يوم وآخر، فإنهم لا يستحقّون سوى مخصصات الإنذار درجة (ب) البالغة (400) فلس يومياً، وقد أيّدَتها في ذلك “مديرية الحركات العسكرية” بوزارة الدفاع.
وبعد مكاتبات متبادلة ومهاتفات عديدة أجراها آمر فوجنا ومساعده مع المديريّتين المذكورتَين لم يُحلّ الإشكال ليتحوّل إلى عقدة إستعصى الخروج منها،
حينئذ تقرّر عرض الموضوع على ديوان الرئاسة… إذْ علمنا بعدئذ أن “المرافق الأقدم” قد أعطى الحقّ لوجهة نظر مديريتي الحسابات والحركات العسكرية بشأن المخصّصات، فأمسى ضباط الحرس الجمهوري يتسلمون (12) ديناراً شهرياً بدلاً من (18) ديناراً.
أما مكافآت الضباط المادية، فلم يكن لها وجود بشكل مطلق لا في الحرس الجمهوري ولا في وحدات الجيش قاطبة، وكان كل من “عبدالسلام عارف”، وكذلك وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش يعتبرون مكافأة الضابط بمبلغ من المال شيئاً مُعيباً ونِكاية بشخصه، بل وتدنياً من قيمته… لذلك فإن أي ضابط في الحرس لم يتسلّم فلساً واحداً من لدن أي مسؤول طيلة الفترة التي قضيتُها في فوج الحرس الجمهوري.
والحقيقة، أن رواتبنا كانت مُجزِية لطعامنا وشرابنا وكافية لملابسنا وجميع مصاريفنا… حتى أن بعض الزملاء قد إقتنوا سيارات ذات طُرُز مقبولة بعد إنقضاء سنة واحدة أو سنتين من تخرّجنا… وأن آخرين تزوّجوا وأثّـثوا مساكنهم من المبالغ التي إستطاعوا إدّخارها خلال تلك الفترة من مجاميع رواتبهم… وإذا ما إعتبرنا أنفسنا -نحن الضباط العاملين في “بغداد”- إننا كنا نصرف الكثير شهرياً بحكم إرتيادنا للمطاعم ودور السينما والمقاهي وأماكن عديدة أخرى، فإن زملاءنا العاملين في وحدات الشمال أو الجنوب، أو في غرب العراق وشرقه، كانوا يوفّرون من رواتبهم -إن شاؤوا ذلك- أضعاف ما إستطعنا توفيره.
كان مَثَلُهم مَثَل الضباط من حيث تساوي رواتبهم لأقرانهم في عموم وحدات الجيش، فالجندي المتطوع كان يستلم (12) ديناراً، والمكلّف (المُجَنَّد) يبلغ راتبه (8) دنانير فحسب، ويضاف إلى راتبه (9) دنانير مخصصات الإنذار، وذلك قبل أن يتم إختصارها إلى (6) دنانير شهرياً بعد المُعضلة التي أثارتها مديرية الحسابات العسكرية.
لا أستطيع القول أن رواتب المراتب المكلـّفين/المجندين كانت مُجزية، ولكننا لو علمنا أن ملابسهم وأحذيتهم وصولاً إلى ملابسهم الداخلية، وكذلك طعامهم وشرابهم جميعاً، كانت على نفقة الجيش -على العكس من الضباط- فإننا نتوصل إلى أن المبالغ التي كانوا يتسلّمونها شهرياً تعتبر “مصرف جيب” لا أكثر.
أما عن المكافآت التي تُمنح لهم فقد جلبت نظري عندما قرأتُ “مذكرة” تقدَّم بها سكرتير عام ديوان الرئاسة “الرائد عبدالله مجيد” الى رئيس الجمهورية تتضمن مقترحاً لمنح كل “ضابط صف وجندي” في جميع وحدات الحرس الجمهوري (5)
دنانير بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك لعام 1384هـ/1965م، إذْ علّق “عبدالسلام عارف” بتأريخ 24/1/1965 على مذكرة سكرتيره العام ما يأتي:-
1. هل تقترحون (عيديّة) لمراتب الحرس الجمهوري فقط؟.. إتّقوا الله يا ناس.
2. ما ذنب (وُلْد الخايبة) في وحدات الجيش الأخرى والقوات المسلحة؟
3. يُمنح جميع مراتب الجيش والقوات المسلحة (ضباط صف وجنود) مبلغ (5) دنانير، ويُصرف لهم مع راتب هذا الشهر محسوباً على (نثرية القصر).
4. يُنَسِّق السكرتير العام مع حسابات القصر بغية توفير المبالغ التي تصرف على أمور أخرى من نثرية القصر… بما فيها إلغاء الولائم خلال شهر شباط القادم”.
هذا، وقد تكرّر منح تلك المكافآت المالية الزهيدة للمراتب خلال عيد الأضحى وذكرى (14/تموز/1958) و (18/ت2/1963) فقط خلال عام (1965).
كانت المكافآت العينية، كالساعات اليدوية والمسدّسات الشخصية والكؤوس، يمنحها رئيس الجمهورية للرياضيين من الضباط أو المراتب الذين يسجّلون أرقاماً متقدمة في السباقات، وكذلك للضباط المتفوقين عند تخرّجهم في كلّية الأركان أو تلاميذ الكلّية العسكرية البارزين، أو الضباط الذين يتفوقون في إستعراض الجيش، والطيارون الذين يُجرون بطائراتهم ألعاباً جوية خطرة تجلب الأنظار.
هذا، وما زلتُ أحتفظ بذلك الكأس الشخصي الذي تسلّمتُه من الرئيس “عبدالسلام عارف” لمناسبة حصولي على مرتبة الفائز الأول في الرمي بسلاحَي “المسدس والغَدّارة” للضباط خلال سباقات الرمي السنوي للجيش أواخر عامي (1964، 1965).