الامن حاجة بشرية لا يمكن الاستغناء عنه , و تعكر صفوة الحياة بدونه , اختلفت و تعددت وسائل تأمينه اعتماداً على درجة تطور الحياة , و رقي فكرة الانسان , و مدى أهتمامه به , بل و سخر جل جهده لحماية نفسه و بني جنسه و وطنه من الكوارث و التهديدات و وضع الخطط و الاستراتيجيات التي تعني في ابسط تعاريفه انها ترجمة الجانب النظري الى الجانب العملي التطبيقي .
ان الاحداث و المواقف الداخلية و الخارجية تؤثران على رسم الاستراتيجية الامنية وفق محددات و ركائز .
استراتيجية اقليم كوردستان العراق الامنية في التصدي للتهديدات كانت قائمة على مجموعة من المحددات الداخلية و الخارجية التي كانت ناجحة الى حد كبير بجهود الاجهزة الامنية العاملة ليل نهار كعيون ساهرة على راحة المواطنين بمعاونة كافة الطبقات و الشرائح .
و لكن مربط الفرس هنا ، ان الاستراتيجية الامنية السابقة للاحداث لم تعد ذات جدوى و نفع لتغير المواقف فاصدقاء الامس باتوا اعداء اليوم او اعداء محتملين في المستقبل القريب , و ان دولاً كانت حليفة تجر وراء مصالحها لتقف بالضد او الحياد .
و اعتماداً على المبدأ الاداري القائم ، بأنه لا يمكن ادارة مؤسسة معينة بنفس الاساليب و الادوات في مرحلتين او زمنين مختلفين , صحيح بأن الاهداف تبقى قائمة و لكن الاساليب تتغير .
و هذا يعني ، بأن الاستراتيجية الامنية لكي تجني ثمارها بتوفير الامان للمواطنين في الاقليم ، تحتاج الى تغير مستمر و رسم بالمرونة و الموضوعية لتكون اكثر واقعية تستطيع قراءة الاحداث و مايدور في المنطقة و الاستشعار بمصادر التهديد في المستقبل القريب على اقل تقدير ، لان القراءة الصحيحة و الدقيقة للمواقف الداخلية و الاقليمية و حتى الدولية كفيلة بأدراج خطة امنية محكمة لا تهتز امام مصادر التهديد بل تزداد إحجاماً و منعاً بصلابتها في العقيدة و مرونتها في التطبيق , و من جانب اخر فأن الاستراتيجية التي لا تستطع قراءة ما حولها او تتنبأ بالآتي منها فيشوبه النقص و الضعف .
إن العمل الامني بحاجة الى تجديد مستمر و تطور مستدام , و يستفاد من التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات و كشف الجرائم و آليات قانونية يكون اطاراً لها يحميها من التجاوز و الاعتداء و من الاختراق من جانب اخر .
ان الاوضاع الاقتصادية و السياسية المتقلبة التي تشهدها المنطقة برمتها و خاصة الجوار الاقليمي و ظهور مصادر تهديد متنوعة لأمن الاقليم و مصالح الدول ذات النفوذ و القوة ناهيك عن الاصوات المعارضة و الناقدة لسياسة الاقليم في ادارة الملفات المتعددة منها النفط و العلاقة مع بغداد و مستوى تقديم الخدمات و الفساد و البطالة و العديد من الظواهر الادارية السلبية المتفشية , كلها تدفع بالحكومة الجديدة الى اعادة النظر في الاستراتيجية الامنية التي تبنتها التشكيلة السابقة و اجراء التعديلات اللازمة لها لتكون منسجمة مع مجريات الاحداث و المواقف ليصل بالاقليم الى بر الامان .
احتل الامن مكاناً متميزاً في برنامج الحكومة الجديدة الذي اعلن عنها رئيسها السيد (مسرور بارزاني) و تم وضع الخطوط العريضة لها , و هذا يفرض على الاجهزة الامنية ان تكون اكثر جدية في عملها و ان لا تخرج من الاطار العام لها و توثق العلاقة مع المواطنين لانهم اولاً و اخيراً منهم و يعملون من اجلهم .
ان الاحداث الاخيرة في المنطقة المتمثل بالصراع الايراني الامريكي و الحرب القائمة بين حزب العمال الكوردستاني و تركيا و أغتيال نائب قنصلها في اربيل دفعتها الى تكثيف جهود هجماتها على مقرات حزب العمال الكوردستاني و ضرب عناصرها في المناطق السكنية ، مما اثار الرعب و الخوف في صفوف المدنيين ،والموقف الخجول للحكومة العراقية منه والذي لا يتعدى اصدار بيانات الاستنكار والشجب ، و هذا ما يتطلب استراتيجية امنية جديدة لانه منعطف تاريخي يمر به الاقليم و خاصة الجانب الامني منه مؤثراً على الجوانب الاخرى للحياة .