22 ديسمبر، 2024 10:39 م

همسات جميلة ازدانت بعبقها صور يكاد يلمسها من يحاورها ذلك هو بوحي إليك، غر تقولين في مشاعري وقد جاوزت العقود الخمس.. اهو طيش نزوة خريف العمر، أم تراه حلم غاب بغربة مجبرا ثم عاد يتكأ على اعتابك، يطرق باب انوثتك تلك التي تتراقص الفراشات حولها محيية خروجها من شرنقتها التي انزوت إليها.. بعدها لبست اثواب عرسها منتشية موزعة قُبلها على خدود زهر اشتاق عبيرها لمغازلة يافعة.. استميحك العذر إن تسببت في إزاحة الستار عن مكامن كانت ساكنة دون حراك، لم اجيش بها إلا الى نفسي، في وحدتي وأنا ابعث الى عالمي الموحش رسائل ترملت حروفها بين سطور، رغم أنها قدمت قرابين ونذر عمرها بأن لا تريد الحياة دون عشق.. مالذي افعله؟؟ ليس الأمر بيدي قلب واكبت حجراته العزلة فلم ينبض إلا لمجرد تنفس داكن، اتخمت رئتاه بدخان سجائر اوردها السواد حزنا على تساقط ورق ايام دون حساب، سنين غرزت انيابها مواسم مختلفة.. احببت الشتاء لأنه يعيد نضارة العمر، اجده لا يفارق مخيلتي ابدا كونه يذكرني في اول مرة شاهدتك فيها حين كنت واقفة تحت مظلة انتظار الحافلة التي كنت استقل، حيث مكان بيتي المعتم من اي ضياء او همس نديم.. سارعت للوقوف الى جانبك وانا أراك تفركين يديك وتنفخين دخان انفاسك الذي تمنيت ان استنشق.. دون احراج سارعت على نزع معطفي، وضعته عليك درءا للمطر والبرد.. استغربتِ !! فعلتي لكنك سرعان ما قبلتِ ربما مجبرة، لكني شعرت بأن المطر شاركني فرحي فهطل بشكل لم يسعفك بأن تتركيه خاصة أن الحافلة لم تأتي بموعدها المحدد.. سارعت إلى القول:
عفوا يبدو ان الحافلة قد تأخرت، كما يبدو لي أيضا بأنك على عجلة من امرك.. وارى انه ليس باليد أي حيلة سوى الانتظار، تفضلي اجلسي فالجلوس يقيك تراشق المطر المتحرك من جراء الريح الهوجاء الباردة.. كنتُ قد جلست قَبلكِ كي أعطيك عذرا لعدم الجلوس كوني ربما اجبرك على الجلوس الى جانبي، لكنك فاجأتني فلم تعلقي، هرعت الى الجلوس وانت تقولي:
شكرا لإعارة معطفك لي.. أرجو ان لا تصاب بالبرد بسببي ههههههه، كانت ضحكة ازاحت ألم مفاصلي وشعوري بالبرد .. كان تيار من الهواء الساخن قد سرى الى جسدي بضحكتك، ما اسعدني.. ربما لم احسب بأن حديثك هو تمضية وقت ليس إلا..فرددت.. لا عليك فأنا رجل خبر البرد والمطر، حتى بت لا اكترث بما يعصفانه، إني اعشق المطر والبرد إنه فصلي المفضل الذي اجدني لا يمكن لحياتي ان اعد اعوامها دون حضوره بشكله الذي لا يفارق احلامي.. كم سُرت في شوارع مدينتي وحيدا كي اعيش لحظاتك التي تشعرين بها؟ ستكون لك في يوم ما ذكريات تحاولين النيل منها متى ما تقدم بك العمر..
استغرَبَتِ اكثر من حديثي!!! فسمعتك تضحكين مرة أخرى بعدها قلتِ.. إن حديثك لطيف سيدي إنك تذكرني بعم لي يحب المطر والبرد وفصل الشتاء عموما.. فكثيرا ما كنا نجتمع الى جانب المدفأة إلا هو يجلس في شرفة المنزل متدثرا بمعطفه الذي يًحب، يتراشق بذكرياته مع المطر، يحاور النسمات التي يغفل المطر ان يقتنصها حين تنساب لحظة ركوده.. يجردها من صورتها لكي يصيغ عليها صورة من همس في يوم ما إليها برقرقات حب تحت سماء ملبدة بغيوم حبلى بالمطر.. سألته في مرة عن ولههِ وعشقه لفصل الشتاء او المطر فأجابني.. إن حياته بدأت في ذلك الفصل، حين ألتقى بمن احبها الى الابد، هي من كابدت الحب ومعاناته، فلا يمكن لقصيدة حب ان تكتب دون ان تضرب موسيقاها أوتار نياط القلب كي يعرف بدوره نبضات لا يمكن الاحساس بها إلا من جرب ركوب موج يم الحب.. فسفينة الايام تسعى جاهدة لتكسر اشرعة العاشقين في اي فرصة مواتية، كلحظة جفاء، او هدنة عن الحب.. إن الحب كما وصفه عبارة عن أكسير يسوقه الله الى الانسان كي يمتاز عن بقية المخلوقات، وإن كان بها غريزة الحب ايضا، لكن بشكل مختلف.. إن الحياة تبدأ حين يبدأ الانسان بالعشق، في تلك اللحظة الموجعة يبدأ حساب ايام بخوف ان تنقض براكين الهم او الموت لإقتناص من يحب او تُخطَف على عجالة، لحظات يندم على تركها دون ان يستغل لحظاتها مع من يحب..
فقلت لها مقاطعا .. استميحي لي العذر فيما اقول …لقد شعرت وانا انصت إليك بأني امام آلهة للحب، كيف يمكنني ان أجاري من خزنت بداخلها مقامات الحب بكل رتومها؟ يا لخيبتي!؟ فأنا لم اجرب الحب سوى من خلال ما سمعته او قرأته او شاهدته.. لقد كنت في عالم من العمل لتكوين رصيد حساب يغنيني عن يوم عوز، نسيت ان الحياة ليس مادة فقط بل الحب.. لا ادري!؟؟ ربما كنت اطبق المثل الذي يقول: اذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من النافذة .. ربما معاناة والدي و والدتي حين كنت صبيا تركت اثرها في نفسي ونحن نقتسم رغيف الخبز عوزا من قلة المال.. ليس ذنب والدي ان يولد فقيرا او يقترن بإنسانة أكثر من رائعة كروعته تبادله معاناته بضعف الأسى… لكن قسوة الايام ومتطلبات الحياة .. حطمت حبهما بشكل تشظى كل منهما بسرعة، ففارقا الحياة بحادث مفاجئ.. اوردوني بعدها ملجأ ايتام وحين كبرت علمت اني يتيم بمعنى الكلمة من اهل او اقارب .. فدأبت انتقاما من الزمن والقدر على حصاد كل فرصة استغلها للنيل من الفقر، حتى رميت به مشردا الى قارعة الطريق رغم تشرده.. فنسيت وانا في خضم ركوبي عربة القطار السريع اني عبرت محطات كثيرة دون ان انزل فيها لأسجل اسمي الى لحظات تجربة حب، منذ فترة رأيتك وتحرك في داخلي، زوبعة من احاسيس لم اجربها من قبل .. خجل، احمرار وجهي، تسارع ضربات قلبي، لهاث انفاسي، تعرق جسمي، ناهيك عن عدم معرفتي كيف سيكون الحديث.. وهل ستنالين مني بذم ام ترأفين بحالي كوني قد تخطاني العمر ورسم تجاعيده على وجهي بمخالبه دون رحمة.. كل ذلك ماجت به نفسي وانا اتخبط بين هاته وتلك من العثرات فواكبني المطر، وضعك في طريقي الذي اعتدت ان اتخذه حيث انا.. فشكرته بالرقص تحت مُزنهِ، وهاهو القدر يتدخل ايضا في تأخير الحافلة كي يسمح لي بالحديث ولو من جانب واحد معك.. لا اريد ان اخيفك بكلامي هذا او ربما ستعمدين الى صفعي او الزجر بي او ربما نتعتي بالمجنون.. لكني صدقيني ما جربت عمري مثل هذه المشاعر مع اي أنثى.. فما بالك بآلهة الجمال .. هكذا انت بالنسبة لي خاصة بعد ان سمعتك تتحدثين بعبارات لم تكن ترقى لفتاة بمثل عمرك .. ارجوك هلا قبلت بي صديقا ولو من باب الرأفة؟.. إني رجل لا يروم المغامرة الخاسرة فما بالك هذه المرة.. فاحمليني وجنون الحب الذي أصبوه إليك.. اناشدك الله بأن لا ترميني بالعُتهِ او الخسة، فأنا رجل ما جربت الإساءة الى اي احد حتى أتلقاها منك..
فقالت لي باستغراب شديد!!! وهي تبتعد عن المقعد الذي كانت فيه الى جانبي بعد ان القت بالمعطف إلي..
يبدو انك.. لا اريد قولها.. كما وصفت نفسك، غير اني احترم فيك صراحتك، جرأتك وعمرك.. ما حفلت يوما بحديث مع أي شاب او رجل بمثل عمرك بهكذا حديثك، غير اني استشف الصدق في ما قلت، ولكن ضع نفسك مكاني.. نظرة المجتمع، الاهل والاقارب.. دعني اقولها بصراحة صديقاتي، زملائي في الجامعة، ماذا سيكون ردة فعلهم حين يعلمون بشأنك معي؟ لا اعرف؟؟ رغم تخوفي من جرأتك و ظلمة الليل وغزارة المطر، إلا اني اجدك مسالما، عاشق بحق، يا الله ! كيف هي غريبة المصادفة!! حين كنت في مرة مع عمي اتطلع نحو السماء وسوادها، الى كثرة النجوم ولمعانها، وانا ارى الشهب تتسابق هنا وهناك فقال لي: تمني أمنية، فسرعان ما ستناليها إن عزمت أمرك، كنت لحظتها صادقة في طلبها.. لا اخفيك كانت ان أحظى برجل خبر الحياة ويحبني كحب عمي لرفيقة حياته، فالسعادة التي اراهما فيها يحسدهم عليها كل من علم بقصتهما.. وهاهي امنيتي .. أأقول تحققت، ام تراك تبحث عن نزوة رجل فاته قطار العمر فوقف هنا ينتظر حافلة اعتاد ركوبها حتى ملها..
سارعت الى القول: اقسم بأني وما بقي لي من عمر سأحياه لك فقط، سأكون ما تتمنين، فقلبي وروحي عشقا الحياة منذ اللحظة التي رأيتك فيها اجلك، خذيني كما انا، علميني قراءة حروف الحب بنوتة خطي نغمات موسيقاها بيديك انت، أرسميني سمفونية عازف الليل لما تبقى لي من حياة.. اما عن الناس واقوالهم ..
قاطعتني قائلة: لا ادري فعقلي وقلبي يميلان نحوك وأنا معهم… لا عليك من الناس سيخوضون في حديث زمن كعادتهم ومن ثم سيجدون حديث غيرنا.. أما أهلي واصدقائي فاقول أمنية القلب وما هوى
صعقت!!! ماذا قلتِ غيرنا.. ايعني انك أبحتِ لي الدخول الى عالمك
فقالت: نعم سأدعك تدخل عالمي .. فأنا بدات اشعر بانك عنواني القديم الجديد الذي انشد.. سأدخل متاهة حياتك على أن تعدني بأن تنسى كل الطرق والمحطات التي فوتها، تركن فقط الى محطتي التي ستنال معك قطع تذكرة ذهاب لا عودة فيها..
كانت الحافلة قد وقفت لوهلة ثم خاب ظنها فلم يركب احدنا فيها.. انطلقت وبقينا انا وإياها نتدفئ معا تحت معطفي وحر انفاسنا التي تلاصقت دون هوادة والمطر يزخ بشدة مبتهجا .. لكن ليس مثلنا.
بقلم القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي