تشكو معظمُ إدارات المدارس من طلبة لا يهتمون بالدرس، وأولياء أمور لا يتابعون أبناءهم. ويرى أولياء الأمور أن المدارس أضحتْ تمنح الطالبَ وثيقة تخرّجٍ رسميّة دون تحصيل علمي. في حين عجزتْ وزارة التربية تماماً عن توفير بنية تحتية في حدّها الأدنى تكفلُ نجاحاً للعملية التربوية. وزارةٌ كان دليل فشلها الأبرز بدعةُ الدورِ الثالث الذي أخلّ كثيراً بموعد بدء الدوام الدراسي المعتاد وأربكَ الطلبة وإدارات المدارس، ولم يشترك فيه سوى عددٍ ضئيل من الطلبة الذين لم ينجح أغلبهم برغم كلّ التسهيلات التي وُفرت لهم.
من المؤكد أن هناك رغبةً قويةً لدى الطلبة في نيل شهادات تؤهّلهم للحصول على وظائف حكومية صارت مطمحَ الجميع. وكان على الوزارة أن تستثمر هذه الرغبة عن طريق ترصين العملية التربوية وجعل النجاح مقصوراً فقط على المؤهّلين وليس عن طريق ابتكار دور ثالث أو رابع. ولعلّ أوضح دليل على رغبة الطلبة بالنجاح، الطلبَ الكبير على الدروس الخصوصية، واكتظاظ المكتبات بالملازم الدراسية لمختلف المراحل بدءاً بالابتدائية وليس انتهاءً بالمرحلة الإعدادية، حتى أضحى التدريس الخصوصي مهنة (موازية) تدّر على القائم بها أرباحاً تفوق الراتب الذي يتقاضاه من وظيفته الحكومية، وأصبحت الملازم المدرسية تنافس أكثر الكتب رواجاً!!
يقيناً أن التدريس الخصوصي عبءٌ آخر يثقل كاهل الأسر التي تعيش على الكفاف، ويقيناً أيضاً أن النجاح ونيل معدلٍ مؤهّلٍ لكليّة مرموقة لم يعد يمرّ عبر بوابة المدرسة لأسباب عدّة، يعرفها جلّ أولياء أمور الطلبة مثلما يتعمدّها بعض المعلمين والمدرسين وتتجاهلها وزارة التربية. العبء يصبح أكثر ثقلاً وضخامة حين تضطر أسرة إلى الاستعانة بمعلّم خصوصيّ لطالب في الصف الأول الابتدائي، إذ سيكون أمامها مشوار طويل كي تكمل مسيرة الدراسة الطويلة لأحد أبنائها. ومع أن أغلب الطلبة وأولياء أمورهم ـ الفقراء منهم خصوصاً ـ يدركون أن الشهادة هي الطريق لتغيير واقع ما يعيشونه من ضنك وعوز، إلاّ أنّ هذا الطريق صار صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً وباهظاً يقصم ظهر أبٍ يحصل بالكاد على لقمة العيش.
أعيش في حيّ سكني تحيطه العشوائيات ومساكن المتجاوزين من جميع جهاته، عشوائيات يعتاش أغلب ساكنيها على جمع القمامة وأعمال بسيطة أخرى لا يمكنها سوى أن تجعل الحياة مستمرة في الأجسام النحيلة المتعبة. في هذه العشوائيات لا يمكن لفرد من أسرة ـ صغيراً كان أم كبيراً ـ أن لا يعمل، وبرغم ذلك تجد نسبة لا بأس بها من هذه الأسر تحرص على تعليم أبنائها. نسبة لا بأس بها منهم تضطر إلى الاستعانة بالتدريس الخصوصي لأن المعلّم والمعلمة لا يجدان وقتاً كافياً لتعليم صف تجاوز عديد طلابه الستين، أو أن البعض لا يرى فائدة في تعليم صبيّ ليس له إلا مهنة آبائه. في الحي الذي أسكنه أرى بعضاً من طلبة الابتدائية مع كتبهم يتوافدون إلى بيت المعلّم وكلّهم أمل أن يأتي يوم تكون لهم وظيفة تشبه وظيفة معلّمهم وبيت يشبه بيته!!
[email protected]