10 أبريل، 2024 11:10 ص
Search
Close this search box.

أمنا عائشة وطلحة والزبير في يوم الجمل

Facebook
Twitter
LinkedIn

في كتب السنة النبوية المطهرة (على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام)، حديث مهم فيه إشارة مستقبلية، أن رسول الله، قال مخاطبا نساءه: “أيتكن تنبحها كلاب الحوأب”. هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه، ولم يضعفوه سندا؛ بل نص على صحته الحاكم وابن حبان، كما صححه الذهبي وابن كثير وابن حجر العسقلاني، وغيرهم، ومن المتأخرين البرزنجي، ومن المعاصرين الألباني في كتابه الأحاديث الصحيحة.

فقط ابن العربي في كتابه (العواصم من القواصم( ومحب الدين الخطيب في تعليقاته على الكتاب، انفردوا بالقول بعدم صحة هذا الحديث، وقد عورض كلامهما بكلام من هو أعلم منهما بالحديث؛ كابن حبان والحاكم والذهبي وابن كثير والعسقلاني والبرزنجي والألباني، ولاسيما الألباني الذي برهن على صحة دعواه بأدلة صحيحة لا تقبل الشك. كما أن تحقق واقعة النباح على أرض الواقع؛ في المنطقة المشار إليها، منح الحديث درجة ثقة لا يعلى عليها.

تقول الروايات: “لما كانوا بالحوأب، نبح كلابه، فقالوا: أي ماء هذا؟ فقال دليلهم: هذا ماء حوأب، فصرخت عائشة بأعلى صوتها: إنا لله وان إليه راجعون، إني سمعت رسول الله (ص)، يقول وعند نساؤه: “ليت شعري، أيتكّن تنبحها كلاب الحوأب”، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني، والله أنا صاحبة ماء الحوأب، فأناخوا حولها يوماً وليلة، فقال لها عبدالله بن الزبير: إنه كذب، ولم يزل بها وهي تمتنع. فقال لها: النجاء، النجاء ! فقد أدرككم على بن أبي طالب”. وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد، وابن حبان، وابن عدي، والحاكم.

وفي رواية أخرى عن قيس بن أبي حازم، قال: لما أقبلت عائشة مياه بني عامر ليلاً، نبحت الكلاب. قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعه، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله (ص)، قال لها ذات يوم: “كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب”. وقد صحح الحديث: ابن حبان، والحاكم، والحافظ ابن كثير، وغيرهم.

وبعد هذا التاريخ بسنين كانت أمنا عائشة، تقول: “لأن أكون قعدت عن مسيري إلى البصرة، أحب إلي من أن يكون لي عشرة أولاد من رسول الله (ص) مثل عبد الرحمن بن الحارث”. كما في سير أعلام النبلاء للذهبي ترجمة ابن الحارث. وكأنها كانت مدفوعة دفعا إلى السير في هذا الطريق الوعر، أورثها ندما، فأي قوة خفية وسرِّية تلك التي دفعت أمنا إلى هذا العمل يا ترى؟

ألا يعني هذا أن هناك قوى أخرى شرسة، كانت تتحكم بالأحداث ومجرياتها؛ هي التي دفعت أمنا عائشة والصحابيين طلحة والزبير (رضي الله عنهم) ليخرجوا على إمام زمانهم المنتخب، مفروض الطاعة؛ وهم جميعا بايعوه؟ هذا عن أمنا السيدة عائشة، فما ثبت عن القادة الآخرين، وهل يعقل أنهما هما اللذان أجبراها على المسير، أم أنهم هم أيضا كانوا مجبرين؟

إن من يتابع مجريات حرب الجمل يدرك أن هناك أقوال صدرت عن القائدين الآخرين تثبت أنهما لم يكونا أقل حيرة وندما منها، وأنهما أجبرا مثلها على المسير، جاء في فتح الباري أن الزبير بن العوام قال بعد المجزرة التي حدثت والخطر الذي تهدد باقي الجيش: “إن هذه لهي الفتنة التي كنا نُحَدَّثُ عنها. فقال مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟. قال: ويحك، إنَّا نبصر ولا نبصر. ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه، غير هذا الأمر؛ فإني لا أدري أمقبلٌ أنا فيه أم مدبر”.

أما بالنسبة لطلحة، فإنه هو الآخر، وقف منعزلا في آخر الجيش، يبكي على ما أصاب المسلمين، فرماه مروان بن الحكم بسهم، فأصابه، فنزف حتى مات. جاء في مستدرك الحاكم: “لما كان يوم الجمل … رمى مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقبض به الفرس حتى لحقه، فذبحه، فالتفت مروان إلى أبان بن عثمان وهو معه، فقال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك”.

وجاء في كتاب السنة، ذكر الفتن من بني أمية وغيرهم لأبي بكر الخلال: “نظر مروان إلى طلحة بن عبيد الله يوم الجمل، فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فرماه بسهم فقتله”.

وجاء في مصنف ابن أبي شيبة: “رمى مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، قال: فجعل الدم يغد ويسيل، قال: فإذا أمسكوه استمسك، وإذا تركوه سال، قال: فقال: دعوه، قال: وجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه فإنما هو سهم أرسله الله، قال: فمات”. فهل كان مروان أحد قياديي تلك القوة، أم كان أحد المجندين لديها، أم كان هو الآخر مدفوعا؟

إن موقف قادة الجمل الدال على أنهم لم يكونوا مقتنعين بهذه الحرب؛ وأن هناك من دفعهم إليها دفعا؛ أحد أهم أسرار حياتنا، ولا زالت تداعياته تؤثر على علاقتنا فيما بيننا، ويحتاج إلى من يسبر غوره ويكشف ستره عسى أن تتفتح العيون وتصفو القلوب وتهدأ الأنفس، لأن أمنا عائشة والصحابيان طلحة والزبير (رضي الله عنهم) من كبار الصحابة، وإذا ثبت أنهم دُفِعوا إلى (الجمل) دفعا، فلابد وأن تكون هناك في المجتمع الإسلامي قوة مقتدرة فاعلة هي التي دفعتهم، وهي التي أحدثت كل تلك المشاكل التي نعاني من تبعاتها اليوم، حيث تنزف دماء الأبرياء، وتنتشر الكراهية والمقت بين فرق المسلمين.

موقع البرهان

http://alburhan.com/main/articles.aspx?article_no=5358#.VbcsKLXT1f9

دراسة مهمة للحديث

سير أعلام النبلاء للذهبي، طبعة مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1422هـ / 2001م، ج3، ص: 485

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب