بعد أن أَنشأت تركيا وسوريا السدود العملاقة على نهري دجلة والفرات, وتجاوزتا على حصة العراق المائية وفق قوانين الدول المتشاطئة, ومن ثم إيران, فحُجِزت مياه العديد من الروافد لنهري دجلة والفرات .وأُصيب العراق بالجفاف والتصحر, بعد أن كان حوضا هذين النهرين جنةً غناء ومصدراً لغذاء العراق والدول المجاورة الذي يحفظ الأمن الغذائي,ويساهم في خفض التضخم
ومعقولية الأسعار. تُمَكِنُ ضعاف الناس وذوي الدخل المحدود من الحصول على مايسد الرمق.
لم تنجح لحكوماتنا المتعاقبة في التفاوض مع الدول التي تهيمن على المنابع, في حصول العراق على حقوقه المائية , لا بطرق التفاوض المباشر ولا عن طريق المحافل الدولية .ولم نسمع أن حكوماتنا قاضت الدول المجاورة في محاكم أو منظمات دولية . والأسباب واضحة تكمن أهمها إن هذه الحكومات لا تهمها مصالح الشعب بقدر الأهتمام بالأستحواذ غير المشروع على السلطة ونهب ثروات البلد. وهدرها دون وازع من أخلاق أو ضمير.ولم تهتم الحكومات المتعاقبة بإقامة السدود. وتقنين إستعمال المياه السطحية والجوفية. و تطوير وسائل السقي. وصيانة الأنهار والجداول.وتحديث وإدامة مخازن الحبوب(السايلوات) وتوسيعها وزيادة أعدادها وتنظيم عملها وظروف الخزن بما يماشي ويحاكي مخازن الحبوب في العالم التطور. فقد تلفت آلاف الأطنان من الحبوب أثناء خزنها وأصبحت لا تصلح حتى علفاً للحيوانات ,ولكن لا أحد في وزارة التجارة يتحذث عن هذه الخسائر. وهناك تقصير واضح في إشاعة ثقافة ترشيد إستخدام المياه في الزراعة, وفي الأستخدام البشري اليومي. فقد تجاوز العديد على أحواض النهر وبنوا فيها دوراً سكنية تحت سمع وأبصار السلطة .لا بل إن العديد من رؤساء الوحدات الأدارية وذوويهم بنوا دوراً حديثة في محرمات الأنهار وتجاوزوا عليها .فلم يكن هناك في الحكومات أشخاص ذوي إختصاص فالمسؤولية أنيطت بجهلة أو أصحاب شهادات مزورة نهازي الفرص. لأن العلاقات هي الأساس لا المكان للمكين.
ولو كان هذا الأمر جرى في أي بلد فيه من مصادر للثروة كما في العراق .لأقيمت دراسات ووضعت برامج ونفذت مشارع ري وأُنشئت سدود وفتحت قنوات.
إن ما حصل في بلادنا من أمطار غزيرة وسيول من نعمة أرسلها الله لشعب العراق, تغنيه عن ظلم دول الجوار, وحبسهم الماء عنه , تحولت من نعمة الى نقمة ,بسبب جفاف عقول المسؤولين وعدم إمتلاكهم الخبرة والمعرفة والأخلاص والكفاءة .فغرقت القرى وآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية, وإتلفت محاصيل وأزهقت أرواح بشرية وحيوانية, وتهدمت بيوت على ساكنيها,وإلحق الضرر الكبير بالممتلكات العامة والخاصة. وخاصة بعد أن إنهارت سدود ترابية بفعل السيول, التي كان المفترض أن تُحَوَّلَ مياهُها الى خزانات, أو تُضَخ الى باطن الأرض كما تفعل أميركا وغيرها, عندما تستورد النفط الخام وتضخه فى باطن الأرض. ليكون إحتياطاً للمسقبل فالماء ليس أقل أهمية من النفط بل هو اليوم أغلى ثمناُ منه على أرض الواقع.
لا أعتقد إن أمر دراسة هذا الأمر بالصعب أو المعجزة.
فمن المكن إستقطاب علماء ذوي كفاءة وسمعة دولية لوضع برامج بعد مسح جويٍّ للأستفادة من مياه السيول والأمطار ,لسد العجزالمائي المتعاظم وإنشاء السدود وتصريف المياه ,وحل مشكلات ندرة المياه والأستعانة بشركات أجنبية لتضع تصاميم هندسية لمشاريع سدود وقنوات وجداول. وتحوِّل هذه السيول الى خزانات لخزنها ,والى قنوات تجري في بادية العراق. فتكون الصحاري جنائن تثبت التربة. وتمنع التصحُّر, وتحد منه, وتعالج موضوع الغبار, وتحسين البيئة, وتوفر فرص عمل للآلاف من الشباب العاطلين, وبخاصة المهندسين الزراعيين. وسيكون العراق سلة خبز للمنطقة, وإن إحتاج هذا الموضوع الى أموال ممكن أن يكون هذا على مبدأ النفط مقابل الماء, كما كان النفط مقابل الغذاء.ولو كان في بلدنا مسؤولون يهتمون بشعبهم بجدية وضمير, لفكروا في الأستفادة من الغاز المهدور الذي يحرق بملايين مكعبة يومياً, بالأتفاق مع شركات عالمية تصدره أو توزعه بأنابيب الى المحلات والدور السكنية . وتغني الناس من مشقة القناني الغازية ونقلها وتوزيعها ,كما في دول العالم منذ 100 سنة وأكثر. وبأثمان هذا الغاز المهدور تبنى السدود وتقام المشاريع. ولكن من بيدهم الأمر منشغلون بتآمر بعضهم على بعض وبالتسقيط السياسي ونهب ثروات الشعب أو التفتيش عن الأزمات لألهاء الشعب بها.وهم معذرون ولديهم الحجة كونهم مُنتخبون من الشعب. وغضوا الطرف عن إن مجلس النواب ما هو إلا نتاج قانون إنتخابات غير منصف شرع على هوى الكتل السياسية النافذة ولصالحه فقط. ويلغي حق الأحزاب الصغيرة في حقها بدخول المجلس فأصبح نائباً من حصل على 120 صوت وأُبعد عن المجلس من حصل على عشرة آلاف صوت.
هناك نظرية علمية تقول بالتغيير المناخي. فهل سمع المسؤولون عنها ؟ وهل هناك تواصل بينهم وبين اللجنة الدولية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة؟ حيث هناك دراسات وبحوث تؤكد حدوث تغير مناخي في القرنين الماضيين منذ بداية الثورة الصناعية وخاضة في العقدين الماضيين. وعزى العلماء حدوثها لأسباب طبيعية, كالثورات البركانية والتقلبات الشمسية والزيادة المثيرة لدرجة حرارة الأرض ,وزيادة تبخر المياه والإحتباس الحراري وذوبان الثلوج. فمن الجائز والمحتمل إن تغيراً مناخياً حدث أو سيحدث في منطقتنا. وقد يكون مناخنا في العقود المقبلة ممطراً أو من البلدان التي تنشط فيها الرياح الموسمية المصحوبة بالعواصف والأمطار الرعدية. فهل في عقول المسؤولين حيزٌ لهذا؟ أم أن الجفاف قد ملك العقول؟والبصيرة في أفول.فعراق اليوم أمطارٌ وسيول وجفاف عقول.